هل من خطوة إلى الامام؟
بعد أزمنة التراجع، يتفاءل الاغبياء فقط. يتوقعون أن يكون بؤسهم القادم، وحفنة معيشتهم، وترويضهم على القليل ثم اقل، بأن التقدم يقتضي حتماً القليل من التراجع.
اللبنانيون، ليسوا أغبياء، يعرفون أن شياطين السياسة، ماضون بالوطن إلى جهنم. يدركون أن ما يخطط لهم، وبواسطة خبراء الأرقام، هو المزيد من الافقار والتفاوت، والمزيد من الصفقات المخزية والمعلنة.
انهم ليسوا أغبياء البتة. حفظوا عن ظهر قلب اسماء الفاسدين والمفسدين. يسمون الاشياء بأسمائها. يحددون السارق وحجم المسروقات. لا يعلنون ذلك، خوفاً من الانتقام المريع بواسطة القانون وانظمة شبيحة القضاء.
اللبنانيون اختصاصهم في قول الحقيقة: هذه الطبقة السياسية المتوازنة. نهبت البلد. افلسته. دفعته إلى الهاوية، وهي تتقدم الصفوف حالياً، للإصلاح المالي (كذب) والاداري (فجور) والسياسي (عهر) والاجتماعي (نهب).
إنهم كلبنانيين اذكياء، يتنبأون بمستقبل بائس، بفقر، بجوع، بهجرة، و… بمزيد من الفساد والإفساد والفجور. آخر الأدلة على الفجور الاستفحالي، شراء مبنى “تاتش”. ولووو! الناس عرفوا وعاينوا وشهدوا، ومع ذلك، لم نسمع ضربة كف، ليكفوا عن هذه الصفقة… عادة سخيفة. اللبناني يشك كثيراً. ثم لا شيء. قد يشتم ويلعن ويكفر، ولكنه لا يذهب إلى ابعد من ذلك. ولووو! ضربة كف لم نسمع.
يعيش اللبنانيون كالغوغاء، المتفوقة بالنق، ثم لا شيء.
الوطن ماضٍ إلى الخلف، بذريعة أن الاصلاح يقتضي تشليح اللبنانيين، ما يستر عورتهم الاقتصادية. البطالة يا ناس، جريمة لبنانية ارتكبتها هذه الحفنة الدسمة، فساداً وإفساداً.
حكمة السلطة: ضحوا اليوم أفضل من أن يُضحى بكم. عجيب. الضحية اللبنانية مطلوب منها أن تضحي. الذين ارتكبوا أفعالاً شنيعة كان من أثرها هذا الوضع السافل، لن يضحوا بشيء. الذين هدموا هذا البلد، منذورون لإعادة بنائه… من يصِّدق ذلك؟ من هو الغبي الذي بدل أن يصافح يد هؤلاء، أن يخرمشها بأظافره او بعضها بأسنانه، او أكثر من ذلك، إذا استطاع إلى ذلك سبيلا.
إذا كان اللبنانيون يعرفون كل ذلك، فلماذا لم يتحركوا؟ وقد لن يتحركوا. لماذا هذا الهوان والخمول واللا جدوى؟ صحيح أن الاصلاح غير ممكن، والتغيير مستحيل، والتحسين بعيد المنال، وابقاء الحال على ما هو عليه نحس خبيث… ولكن لماذا هذه الاستقالة؟ هذه الغفوة؟ هذا التسامح؟ هذا اليأس.
لا رغبة لدينا، في اتهام الطائفية والطائفيين. هؤلاء اوفياء جداً لطوائفهم وزبانيتها. لا حرج عليهم. انهم مستنفرون دائماً. برغم مهانتهم ومذلتهم، للدفاع المستميت عن ناهبيهم ومستغليهم… هؤلاء هم هراوات الاحزاب الطائفية والتيارات المطوَّفة… لا عتب على هؤلاء. باعوا كرامتهم وشرفهم برتبة تابع فقط. هؤلاء، اشد الاعداء شراسة في المواجهات، دفاعاً عن عقيدة السطو والسلطة… اخرجوا هؤلاء من حساباتكم. انهم الاعداء الحقيقيون، وجلاوزة سفلة السلطة والمال والطائفة والارتهان.
هذا معروف، ولا ضرورة لتكرار هذه المعزوفة… انما، السؤال الذي يظل بلا جواب دائماً، أين هي البقية الكثيرة التي هي حقاً مدنية ولا طائفية ووطنية ويسارية وعلمانية؟ اين هم هؤلاء الكثر الذين يتمتعون بالجبهة العالية، ونظافة الكف والضمير، والذين يريدون لبناناً جديداً، أكثر انسانية وعدالة؟
لا أعرف عن جد. انهم موجودون بصفة غائبين، مع انهم يكثرون الكلام والرفض والتذمر والتحسر.
هل المسألة هي في فقدان قيادات مدنية؟
لا. لبنان غني جداً بكفاءات قيادية، انما مستقيلة. لبنان غني بمن أيديهم ناصعة وعقولهم نظيفة ومنطقهم سليم واحساسهم مرهف، وأكثر من ذلك، لديهم الكفاءة في قول الحقيقة، وصفاً للداء، ووصفاً للدواء. هؤلاء القلة، متقاعدون.
اذهبوا إليهم. اقرعوا ابوابهم. ادعوهم لممارسة دورهم.
فتشوا عنهم. انهم موجودون، ولكن بصفة متقاعد، او بذريعة “فالج لا تعالج”؟
لن اذكر أسماء بعضهم. ولكن، عندما يحين الوقت، وتدق الساعة، سندعوهم ليكونوا في الطليعة. إذا استجابوا، كان ذلك بداية مشجعة، وإذا تلكأوا، فليذهبوا إلى النسيان.
لبنان بانتظار هؤلاء. المعركة بحاجة إلى ميدان، وهو موجود، على امتداد 10500 كلم2. وبحاجة إلى من يشير بأصبع الاتهام ويصيب، والى من يشير إلى الامام، ويدل، والى من يرسم خريطة طريق، نص عليها اتفاق الطائف، ولكن كتبته وورثته خانوه، عندما أخفوه عن الناس.
أول الغيث يبدأ من هذه القبضة القوية، ومن هذه البوصلة الامينة. ومن تعرية هؤلاء الحكام العراة، من كل ما تبقى لهم من ستائر لستر عورات سياساتهم.
طغمة الشياطين تطالبنا بالتراجع لتتقدم. اذكياء برتبة محتالين. الصح. البداية تبدأ بغير الكلام. الإقدام، عندما تمشي، تعبر اكثر من اللغة.. فإلى الامام، متى نسمعها ونطيعها ونمضي بها إلى النهاية؟
هذا صعب، ولكنه غير مستحيل.
هذا هو ايماننا. فنؤمن بذلك، ولنكفر بسواه.