نمو جمعية سرية لبنانية: الحزب السوري القومي
بقلم: نفيل باربور
[بريطانيا العظمى والشرق، 14 نيسان سنة 1938]
"من المرغوب فيه إحياء حضارة سورية تناغم بين العناصر الشرقية والغربية"
تقتصر الحياة السياسية الرسمية في الجمهورية اللبنانية على التنافس بين مختلف المرشحين لملء المناصب. ويتم التعامل بدقة مع المطالب المتناقضة بمساعدة سلطات الانتداب، كما يتم الحفاظ على الحكومة بتوزيع المغانم على ممثلي مختلف الجماعات الأهلية بقدر معقول من العدالة. لقد أنيطت رئاسة الجمهورية بشخصية مارونية كونها ممثلة للطائفة التي لا شك يعتري إيمانها بالدولة. في حين تبذل محاولة للتفاهم مع المسلمين بإعطاء منصب رئيس الوزراء لشخص يتم اختياره بعناية من تلك الطائفة. بينما يُمنع التمثيل السياسي إلى حد كبير عن قطاع شعبي واسع من الذين يرون أن وجود كيان مستقل في لبنان هو أمر غير معقول وغير عملي.
أهداف سياسية متنوعة
إلى جانب الحياة السياسية الرسمية، هناك منظمات متنوعة تمتلك، بشكل أو بآخر، أهدافاً سياسية محددة. من بين هذه المنظمات الحزب الشيوعي الذي رُخص له بالعمل قانونياً بعد قيام حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا، وهناك حزب ذو توجه عروبي هو "عصبة العمل القومي". أما حزب الكتائب (الفالانج) فهو عبارة عن جماعة من الرياضيين، ويتألف أساساً من عناصر مارونية تحت تأثير الجزويت، وعلى المستوى السياسي يؤيد الاستقلال اللبناني. غير أن معارضته للحكومة الحالية، خصوصاً الأساليب التي استخدمتها أخيراً لتحقيق الفوز في الانتخابات العامة، أدت إلى صدام مع رجال الأمن ما دفع السلطات إلى حل تلك المنظمة رسمياً.
إزدهار جماعة سرية
قبل ثلاث سنوات، ظهر على الساحة حزب ذو طابع مختلف يدعى الحزب السوري القومي. ومع أنه تأسس سنة 1933 (الأصح سنة 1932)، فقد واصل نشاطه لمدة سنتين كجماعة سرية. مؤسسه أنطون سعاده لبناني من الطائفة الأرثوذكسية، مواليد سنة 1904. أمضى طفولته في لبنان، وعندما بلغ السادسة عشرة هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية ومنها إلى أميركا اللاتينية. في سنة 1931 عاد إلى سوريا ليمضي سنة في دمشق قبل أن يستقر في بيروت حيث علـّم لفترة اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية. وكان سعاده متمكناً من اللغات، فاتقن عدة لغات بما فيها الروسية.
الأيمان بـ "القائد"
شعار الحزب الذي أسسه سعاده: حرية، واجب، نظام، قوة. وبنيته التنظيمية هرمية يؤطرها الإيمان المطلق بالزعيم الذي يمتلك كل الصلاحيات. وغاية الحزب خلق روح قومية في سوريا كلها، بما فيها الدولتان اللبنانية والسورية وفلسطين وشرق الأردن. وهو يؤمن أن هذه المناطق تشكل وحدة جغرافية تاريخية اقتصادية. لذلك فإن الحزب يعارض دعاة الاستقلال اللبناني من جهة كما يعارض الذين يدعون إلى وحدة العالم العربي من جهة أخرى.
جبهة عربية موحدة
ومع ذلك، برز لدى الزعيم في الآونة الأخيرة توجه لاستمالة الحركة العربية بإعلانه أن سوريا الموحدة ستناضل مع الوقت لقيام جبهة عربية موحدة. ومن وجهة نظر الزعيم، فإن العقبة الأساسية أمام تحقيق هذه الوحدة تكمن في الإنقسامات الدينية الراسخة في سوريا والتي جرى استغلالها من قبل القوى الأجنبية لإبقاء حالة التشرذم التي تخدم المصالح السياسية الخارجية. ولذلك فهو يشدد كثيراً على أهمية الدعوة التعليمية لمواجهة تلك النزعات، وتشجيع الزواج المختلط بين الطوائف المختلفة، واتخاذ موقف مميز مناهض لتدخلات رجال الدين. كما يتم التشديد على تنمية الاقتصاد القومي وتحسين ظروف العمل. والحزب يقترح إنشاء ميليشيا، لكن هذه الخطوة لم تتحقق بعد. ومن وجهة النظر التاريخية، يعتبر الحزب أن المملكة السلوقية هي الفترة التي تحققت فيها الوحدة السورية بأبرز معالمها، وعلى هذا الأساس يريد إحياء حضارة سورية محددة قادرة على تحقيق التناغم بين العناصر الغربية والشرقية. ويقبل الحزب في عضويته عناصر من الجنسين بين سن 16 و45 سنة.
العلاقات مع الحكومة
بعد فترة سنتين من الانتشار السري الذي شمل عدة آلاف من الجيل الشاب، خصوصاً في لبنان، لفتت المنظمة انتباه السلطات اللبنانية، فأمرت الحكومة في 16 تشرين الثاني سنة 1932 باعتقال الزعيم وأبرز معاونيه. وقد جرت محاكمتهم بتهمة الانتساب إلى جمعية غير مرخصة وحكم على عدد منهم بالسجن لمدة تتراوح بين شهرين وستة أشهر. كما نفذت أحكام مماثلة على فترات متقطعة خلال السنتين التاليتين. لكن في الأشهر الأخيرة، امتنعت السلطات عن اتخاذ إجراءات عقابية إضافية. ويعتقد النقاد أن المنظمة باتت ضعيفة للغاية، في حين يؤكد مناصروها أن عمليات الانتساب إلى الحزب في ازدياد وأن التماسك الداخلي تعزز بفعل التجارب التي مرّ بها. والحزب يصدر اليوم جريدة يومية هي "النهضة".
البحث عن مثال أعلى
يهزأ أعداء الحزب بالإيمان المطلق الذي يكنه الأعضاء للزعيم وبظاهرة عبادة البطل كما ظهرت أخيراً في إصدار عدد خاص من "النهضة" بمناسبة ذكرى مولد الزعيم. ويزعم آخرون أنه دفع العديد من الشباب إلى تكريس أنفسهم للعمل الحزبي المجرد مما أبعدهم عن العمل في نشاطات إيجابية منتجة.
ومع أنه يمكن إعطاء قيمة لهذه الانتقادات، إلا أنه يجب الاعتراف أيضاً أن نجاح سعاده في اكتساب عدد كبير من الأنصار المؤمنين هو نجاح ملفت. والحركة، في الوقت نفسه، هي واحد من مؤشرات عدة على الاحباط الشديد الذي يشعر به جيل الشباب في الشرق الأدنى، خصوصاً في لبنان. إن الآلاف من الشبان يبحثون عن مثال أعلى يناضلون من أجله بحيث يمكنهم لاحقاً أن يخلقوا حضارة أصيلة تملك من القوة ما يؤهلها لتطوير هويتها المنفردة بمعزل عن التدخلات الخارجية.