عيب.
لا تجوز إهانة السلطة في لبنان. تكال الاتهامات جزافاً، تُعَيَّر بأنها تسرق، والسرقة حلال سياسي وواجب طائفي. من لا يسرق لا يستحق امتهان السياسة ابداً. من شروط الزعامة إجادة فنون السرقة وتجويدها وتجذيرها. من أولويات السياسة وضع اليد على مواطن المال، واشراك “الادارة والقضاء والأمن”، في تأمين “الحقوق الطبيعية” لأصحاب مهنة حماية السرقات. لا يجوز التوقف عند هذه العادة. فلبنان والسرقة صنوان.
عيب.
في كل تجارة، خاسر ورابح. لبنان، غفور رحيم. الخاسر يتنازل للرابح ويعتذر منه ويعوِّض عليه، تأييداً واستعباداً. وهذا، ليس جديداً، ولو استفحل. الجديد، أن السرقات علنية ودائمة وناجحة ومتمادية وتلقى تأييداً شعبياً متزايداً. اثبتت ازمة ما قبل الافلاس، أن اللبنانيين يتبنون ما يشتكي منه السارقون والنهابون. الشاشات تغزو المشاهدين بشكاوى أهل السلطة، الممتهنين للعب دور الضحية. معظم النهابين يتبارون يومياً بتعداد انماط ومنابع ومصادر الهدر. اولاد “الفاعلة” (ترجموها باللغة البذيئة) يشكون، مثل شعوبهم، من كارثة وعار الكهرباء، من فداحة ووساخة النفايات، من التلوث المثالي، براً وبحراً ونهاراً وجواً خلقا وقضاء. إنهم أكثر بلاغة. وزراء ونواب وزعماء وخبراء ومدراء وقضاة وأمن يعزوفون، بقلق مفتعل، على وتر الكارثة القادمة، ويستنفرون “الاجهزة” لوضع توصيات واعلان حالة طوارئ، لوقف الهدر ومتابعة مشاريع الاصلاح المكتوبة، مراراً وتكراراً، منذ سنوات.
عيب.
هؤلاء ضحايا ما يرتكبه “المواطنون”. و”المواطنون” يساهمون في معركة الاصلاح السياسي، بشروط منطقية ومفهومة. الاصلاح يبدأ من عند غيرنا، وقبلنا. مجالسنا لا تلغى قبل إلغاء مجالس الآخرين. والآخرون يلتزمون بإدارات يحمونها. هذا يفيد “الزعران السياسيين”، فلا يقومون على اصلاح يدمر مصالحهم ومصالح اتباعهم، “حذو الرأس بالنعل”.
عيب.
غير مقبول المساس بأرباح رأس المال. لا يعاقب “الشاطر” و”الحربوق” و”النافذ” بدفع ضريبة على ارباحه “الصافية”. هؤلاء يضخون اموالهم في اجهزة الدولة التي توزعها على تحالف النصابين المحترمين، الحائزين على ثقة “مواطنين” برتبة عبيد. والعبيد الطائفيون، اكثرية موصوفة، برهنت عليها صناديق الاقتراع حديثاً، وستبرهن عليها مرة أخرى، وتحديداً، بعد خراب “البصرة” اللبنانية. لذا، لا تدقوا بالمصارف الشاطرة، التي تتحمل اعباء ومسؤولية تأمين اقصى الأرباح، في أزمنة المخاطر التي تقضي على مدخرات اللبنانيين الشحيحة، التي لا يجوز التحسر عليها بضآلتها. فمن معه لا يؤخذ منه، بل يعطى ويزاد. والثروة ليست عيباً. الفقر وحده عيب، وهو من صنع اهمالنا وأدميتنا الغبية واخلاقنا التافهة وغيرتنا على بلد ليس بلدنا.
عيب.
يلزم عدم الخروج عن القاعدة الذهبية للسياسة اللبنانية. الذين دمرونا وقتلونا في الحروب التي قادوها، هم الذين يتولون “إعادة بناء ما تهدم”، ونسيان من قتل وعذب وخطف. ولقد نجحت هذه التجربة. قاتلونا هم حكامنا. انظروا إليهم. حدقوا بهم. “شوفوا” أياديهم. افحصوا ممتلكاتهم. تيقنوا من تحالفاتهم بعد صراعاتهم. تأكدوا بأنهم اوفياء جداً لحروبهم وتصفياتهم، ومع ذلك، فهم كالسمن والعسل في تحالفاتهم وتفاهماتهم وصفقاتهم. لا يحيدون قيد انملة، عن “مصالح الدولة العليا”. وعليه، فلا يجب الشك بأن الاصلاح الاقتصادي والمالي والسياسي والاجتماعي والتربوي والصناعي والزراعي والامني والقضائي، (وضعوا خطين تحت القضائي)، هذا الاصلاح المضني والمعقد والمتعب، ملقى على اكتافهم. صح هم سرقوا ونهبوا وأفلسوا الدولة. ولكنهم خبراء واذكياء ودهاة، في اصلاح الدولة من جيوب الناس الشحيحة. لا تعوَّلوا عل خبراء وتكنوقراط. فهؤلاء، إن لم يبوسوا ايدي الزعماء، لن يحظوا ابداً بثقة سياسية. القاعدة تقول: الذين اوصلوا البلاد إلى الخراب، هم أدرى بإنقاذها، ولو افلست وجاع الناس. المثل قال: “اعطِ خبزك للخباز ولو اكله كله”. يلزم تصحيح المثل ليتوافق مع واقع الحال.
عيب. وهو العيب الاكبر. أن اللبنانيين الغلابى، يشتمون أهل السلطة ولصوصها، ولم نسمع بعد وقع اقدام لأحد في الشارع.
عيب علينا جميعاً، لأننا لم نقم بخطوة واحدة لإسقاط هؤلاء اللصوص، او، اقل من ذلك، لم نضرب احداً ولم نصفع احداً ولم ندفش احداَ ولم نرفس احداً.
عيب. لأننا اكتفينا بالنق والاجتماعات. لذا، تجوز الرحمة علينا، على أن يحدد موعد تقبل التعازي، بعد حضور مراسم الانهيار.