ليست معاني التأسيس قراءات، لحيثيات توصيفية نجتاز بها الحدث التاريخي، لحدث اعتيادي، عَبَرَ مع مطلع العقد الثالث من القرن الفائت، وتموضع في مسار تواكب العقود، التي اجتازت الثمانية، في احتفاليات ومشاهدات توكيد الاستمرار، بل إن عيّنة التأسيس، مع ما أراده سعاده، ترينا المخاض العظيم الذي تمخّض عن أساسيات الفهم والوعي والرؤية الناضجة والنظرة الجديدة إلى الحياة والكون، حركة تأخذنا الى:

– إعادة ترتيب النظرة إلى الوجود الإنساني العام، وفق الحاضرات البيئية، وما شكلته، بتوزعها، من أرحام لتكوّن ونشوء الوجودات الإنسانية، أمماً، وما تزاوجته المؤهلات النفسية مع الممكنات الخصبوية المادية، من فعل توليد الحضارات وترسيم معالم الارتقاء الإنساني والتطور البشري العام.

– إعادة ترتيب الوعي وفق منهجية معرفية تبتدئ في وعي الذات انطلاقاً من مكوّنها الواحدي الفردي أو المنخرط في محدودية المكان المادي أو النفسي، إلى وعي الذات المجتمعية المكوّنة بعامل الوعي الجديد على أساسيات الوجود الأتم الذي هو الأمة.

– تظهير الوعي الجديد، كحركة صراعية، بالفكر، من أجل إعادة صياغة مكوّن الوعي الإنساني، بناء الإنسان الجديد، وفق منظومة وعي الأمة لذاتها، لحقيقتها، ووعيها لمصالحها في الحياة والوجود.

– تظهير الوعي الجديد كحركة صراعية بالقوة المادية – النفسية لإعادة سيادة الأمة السورية على نفسها الضامن الوحيد لترتيب نفاذها وفعلها في مسار الزمن الآتي.

– إعادة صياغة وترتيب خارطة الواقع مما فرضه المستعمر من كيانات مختلقة، إلى كيان الأمة السورية.

– توليد مؤسسات المجتمع الجديد، وفق منهجية مؤسسية مرسوة على مناقب النظام الجديد، ومنسحبة من النظرة الجديدة للحياة، في تكوُّن المجتمع الجديد واقعاً وبعداً معيارياً.

– توكيد الجذرية التغييرية:

من واقع الموت إلى وجودية الحياة.

من واقع الظلام إلى وجودية النور.

من واقع القطعان البشرية إلى وجودية الأمة الواحدة.

من واقع القضايا المتناهشة أو الملتحقة، إلى وجودية القضية القومية الواحدة القائمة بذاتها والمستقلة كل الإستقلال عن أية قضية أخرى.

من واقع الخنوع إلى وجوبية الثورة الصراعية على محاور عدة متنوعة.

إن أساسيات التأسيس، عمق مفاهيم النهضة، خلق التحدي العام، لما رُسّم لأمتنا وما خطط لها وما سارت اليه وما هي عليه، لنجد أن مشروع التأسيس، من بعث النهضة السورية القومية الاجتماعية التي تكفل تحقيق مبادئه في السيادة والإصلاح وبناء النظام الجديد، ما هو إلا الرد الإستراتيجي على مفاعيل التجزئة واستهدافات المستعمر في مطامعه الكبرى في القبض على بوابات العالم القديم، المركز الحيوي والإستراتيجي للعالم الجديد، بما له من موقع استراتيجي هام يتحكم ببوابات القارات الثلاث، وبما يختزن من طاقات بشرية ومادية في النفط والغاز تسلّحه بحيوية الاستمرار لا بل التحكم بمسار الزمن الآتي، كما هو الرد الإستراتيجي والطبيعي على الحركة الصهيونية المنظمة وخطتها الدقيقة باستهدافها الإيديولوجية «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، كما هو الرد الإستراتيجي على الإرهاب، حيث إن إنسان الأمة لا تأخذ به تيارات التشلّع الطائفي ولا المذهبي، كما الأمة موحّدة بنظام جديد يعتمد، في أساسياته، الأمة إنسان واحد مجتمع واحد كما أن مخزون وخزان الأمة من ممكنات القوة المادية -النفسية الموحّدة قادر أن يكون الردّ الإستراتيجي الطبيعي على كل ما أنف ذكره من مشاريع واستهدافات، قادر على قهرها، لا بل قادر أن ينتصر في معركة نهوض الأمم وبقائها. وبالتالي يستطيع أن يؤسس وبالمبادئ المحيية التي أناط بها المؤسس أنطون سعادة، وبالفلسفة الجديدة، المدرحية، قدرة خلق واقع من نظام إنساني عام لعالم أرقى وأجود يبدّل مظهر وجوهر الحاضرة البشرية من قطعان ووقود لحروب مدمرة مهلكة تقضي على ذرية الإنسان وأمم تتنازع البقاء، وبيئات مسمومة تخرّب وجودية وماهية هذا الكوكب وغرضه، ليمشي بالإنسان إلى حياة أجود وأعدل وأنعم وأمم تتعاون لرقيّ البشرية وتقدمها