حديث باسيل والحريري وطلب مهلة 72 ساعة لن يهدئ الشارع، خاصة أن اليومين القادمين هي عطلة نهاية الاسبوع. مما يسهل استمرار التظاهر ونزول المزيد من الناس. والارجح أن تقفل المؤسسات الاثنين ايضاً.
مطالب المتظاهرين، مع ان التظاهر عفوي ومفتوح ولا قيادة له تصوغ مطالب أو بدائل، لكن المطالب تتأرجح بين استقالة الحكومة كسقف ادنى واستقالة الرؤساء والنواب والحكومة كسقف أعلى وإعادة تشكيل السلطة. وبالتالي فإن سرديات الاحزاب المتناقضة صارت لا قيمة لها، والمطالبة بالمهل لا تفيد بسبب فقدان الثقة بالكامل.
كلام الحريري أعطى انطباعاً أنه قد ينزل الى التظاهر، لولا الخوف من مصير الاحدب. لكن قراءة ما بين السطور توحي بأنه، كما جنبلاط وجعجع، وحاكم مصرف لبنان الى حد ما، يشك في أن الحراك تأجج نتيجة "قبة باط" من حزب الله، وقد يكون ذلك لمحاولة تغيير توازن القوى بعد تقدم حلفاء حزب الله في سورية. وهؤلاء المشككون جميعاً محسوبون على الاميركان. لكن الوضع الاميركي الداخلي منقسم حيال قرار ترامب بالانسحاب من سورية، ويعتبره البعض في الكونغرس خطأ كبيراً أعطى هدية كبيرة للرئيس الاسد والدولة السورية لم يكن النظام في الشام يحلم بها، مما أعاده الى الواجهة. ويتخوفون من أن يؤدي ذلك الى عودة النفوذ السوري الى لبنان، الى حد قول جنبلاط البارحة بعد أن بدأ التظاهر في الضاحية والجنوب: اذا كان السوريون يريدون حكم لبنان مجدداً، فلا مانع لدينا، لكننا لن نشارك في الحكم. وجنبلاط لا يقول هكذا كلام بالصدفة.
الحريري يختلف عن جنبلاط وجعجع، في أنه مقتنع أن الاماراتيين والخليجيين سيفتحون قريباً على الشام، وسيشاركون في اعادة الاعمار من خلال لبنان. وهذا بحاجة الى ترميم العلاقة مع الشام والاعتراف بالحكم هناك.
بعد زيارة نائب الرئيس الاميركي الى تركيا من يومين، والاتفاق مع اردوغان على وقف اطلاق النار، واقناعه بالاكتفاء بالمنطقة التي احتلها بين تل ابيض ورأس العين، وعلى عمق 30 كيلومتر حتى اوتوستراد M4. وكنا كتبنا عن ذلك من عدة ايام. بالمقابل، يقوم الاميركي بإقناع الكردي وقسد بعدم المقاومة في هذه المنطقة، على ان يسلمها اردوغان الى المعارضة السورية المسلحة، الى ان يحين وقت الحل السياسي. وفي المقابل يقبل اردوغان بانتشار الجيش السوري في منبج وكوباني وكامل منطقة شرق الفرات ما عدا المنطقة التي سيطر عليها. وبعد ذلك اعادة الاعتراف الغربي والعربي والتركي ببقاء الرئيس الاسد وبحل سياسي سوري يكون فيه هو الاقوى. على أن يتولى الروسي تسويق ذلك، سواء في قمة سوتشي القريبة مع الرئيسين التركي والايراني، او مع الخليجيين خاصة بعد جولة بوتين الخليجية الناجحة.
اذاً في لبنان، الحل المقبول لسحب التظاهرات من الشارع، هو في الحد الادنى استقالة الحكومة الحالية. لكن ذلك يجب أن يترافق مع بدائل. سمعنا ببدائل نظرية مثل حكومة عسكرية او مجلس عسكري وحكومة تكنوقراط، أو تسلم الجيش. لكنها حلولاً نظرية بسبب الواقع الطائفي ووجود حزب الله وقوة المقاومة. وكلنا نعلم أن لبنان بلد تسويات لا يمكن الغاء اطراف بعينها. لذلك تنحصر البدائل في تغيير الحكومة مع اتفاق على حكومة جديدة سريعة. هذه الحكومة الجديدة يجب أن تحوز على دعم المجتمع الدولي، بالتالي يجب أن تكون برئاسة الحريري. وهو في كلمته اليوم هدد بشكل غير مباشر بأنه ان رحل سيكون المجتمع الدولي غير متعاون. بالمقابل يجب أن تكون لها القدرة على التواصل مع الشام، من اجل معالجة ملفات النازحين والتحضير لدور لبنان في اعادة الاعمار. وهذا بحاجة الى نوع من اعادة اعتراف بالحكومة السورية. بالتالي الاشتراكي والقوات لا يستطيعان المشاركة. وفي البعد الداخلي، يجب أن تكون قادرة على استعادة ثقة الناس، بالتالي يجب ان لا تكون من السياسيين والحزبيين التقليديين. وبتفس الوقت، ان كانت حكومة سياسية سيكون فيها الحريري مطوقاً من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر بغياب صقور القوات والاشتراكي. لذلك يفضل أن تكون حكومة تكنوقراط مدعومة من قوى التسوية الرئاسية.
لذلك مع الحريري وشركائه في التسوية الرئاسية 72 ساعة للوصول الى تصور معين وضمانة لعودة الحريري على رأس هكذا حكومة، عندها ستستقيل الحكومة وسيتم العمل على تنفيس الشارع والعودة الى الحالة الطبيعية وتشكيل الحكومة العتيدة. والا فسيستقيل الحريري ويذهب الى بيته. وان أعيد تكليفه، ستكون مرحلة التشكيل طويلة ومرتبطة بالتطورات اليومية في المنطقة وخاصة في الشام.
قد لا تكون هذه البدائل كافية از مقنعة للكثير من المتظاهرين. لكنها ستكون أفضل ما هو متاح، خاصة في ظل غياب قيادة للتظاهرات قادرة على فرض شروط وصياغة مشاريع وخطط وتقديم بدائل أفضل... حتى الآن!