زيّنوا شجرة الميلاد بكوفية فلسطين
أرفعوا قداديس النصر على نية المقاومين
سامي سماحة
هي الشجرة، تخلق من التراب وإلى التراب تعود، وكأنها الصورة الحقيقية لأسطورة الخلق، وكأنها الملائكة التي أوحت إلى الرُسل والأنبياء أسرار الحياة. فقبل المسيحية، كان خضارها رمزاً للأبدية، ورمزاً لجمال الحياة بعد الموت.
قبل المسيحية، كانت الشجرة الخضراء بالنسبة للإنسان سر الحياة، فهي تولد وتموت، وتولد من جديد، وبموتها وحياتها أوحت إلى الانسان فكرة العودة إلى الحياة يوماً ما.
لقد كتب الكثير عن قصة شجرة الميلاد في المسيحية، ولكن أجمل ما كُتب، قصة مارتن لوثر المصلح الكنسي الذي أبطل بدعة صكوك الغفران. تقول الحكاية:
أن مارتن لوثر المصلح الكنسي الألماني الشهير رأى جمال النجوم وهي تتلألأ ما بين الأشجار الخضراء فأعجبه المنظر وعندما وصل إلى المنزل قام بنصب شجرة دائمة الخضرة وقام بتزيينها وأضاءها بالشموع والنجوم في محاولة لإعادة خلق المشهد الجميل الذي شهده إلى عائلته. وتطورت النظرة الى الشجرة حتى أصبحت شجرة الميلاد رمزا لعيد السيد المسيح ورمزاً لحب الله الأبدي غير المحدود. وأصبحت الشموع التي ترافقها رمزا لضوء المسيح.
ومن الروايات ما يؤكد أنه لا يمكن تحديد زمن وجود شجرة الميلاد فمنهم من
يقول أن أول دلالة على وجود الشجرة هي صفيحة نحاسية تعود إلى عام 1509 حيث كان مرسوم عليها شجرة من نوع التنوب وعليها أضواء ونجوم ومن بعدها انتشرت عادة شجرة الميلاد في أنحاء ألمانيا.
مع بداية القرن العشرين أصبحت شجرة الميلاد رمزا يولد في عيد الميلاد في بيوت معظم السكان من مسيحيين ومحمديين ومعتقدات أُخرى وفي كل أنحاء العالم.
ليست شجرة الميلاد تقليداً مسيحياً جاء مع السيد المسيح، وليست تقليداً محمدياً أوحى به جبرائيل للنبي محمد.
الانسان هو الذي أبتكر فكرة شجرة الميلاد والانسان هو الذي ابتكر فكرة المزود والنجوم والخراف كطقس من طقوس الميلاد.
كانت شجرة الميلاد عنوانا للإيمان والجمال.
كانت شجرة الميلاد وزينتها والتقاليد المرتبطة بها رمزا عالميا يعبر عن الحب والسعادة والدفء العائلي.
ظهرت بدعة جديدة في أواخر القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى يومنا الحالي بدعة الشجرة الأكبر والشجرة الأجمل، بدعة تزيين الشوارع العامة بالأشجار والنجمات والأضواء، ودخلت الشجرة في سباق الصراع بين القرى والمدن والبلدات.
نحن لا ننكر جمال الأشجار التي ترتفع لمناسبة الميلاد في الساحات العامة ولا ننكر على بعض المدن إبداعها في إنارة وتزيين شوارعها التي أصبحت مقصدا لكل مواطن من كل لبنان ومن كل الأديان.
وهنا يجب أن نشير إلى أن البدعة انتقلت إلى الطوائف الأخرى التي بدأت بتزيين الشوارع في المناسبات الدينية. وأحيانا تكون حصة بعض الشوارع الانارة من جميع الطوائف.
كيف يمكن لنا أن نتبارز بإضاءة الأشجار وتزيين الشوارع وبعضنا في جهنم وبعضنا ينزف دما، وبعضنا تقطّعت أوصاله، وبعضنا يحاول العودة إلى الحياة بعد احتضاره.
استطاعت الناشطة اللبنانية كارولين شبطيني تحقيق الرقم القياسي الجديد لشجرة الميلاد عندما صممت ونفذت مع جهات مسؤولة في شكا وبعض أصدقائها شجرة مصنوعة من 120 ألف عبوة وبلغ ارتفاعها 28 متر أضاءت شكا فدخلت موسوعة جينيس في العام 1920 .
جاحد من لا يعترف بعبقرية هذه المواطنة، وذكاء من ساعدها على تصميم وتنفيذ هذه التحفة، وجاحد من لا يعترف بأننا أقوياء، ولكن علينا أن نعترف أننا أسأنا لمعنى شجرة الميلاد، فالعقل الذي أبدع في تجميلها كان يستطيع أن يُحمّلها معاني خلاصنا بإبداع، فتكون تعبيرا عن أوضاعنا ومتماشية مع أحوالنا.
أنها النرجسية اللبنانية، ترسم أجمل اللوحات وهي تنحدر نحو جهنم.
إذا أردنا المحافظة على رمزية شجرة الميلاد وما تعنيه من معان للجمال والخلاص من صكوك الغفران، وجشع أصحاب رؤوس الأموال، وظُلم ذوي القًربى، علينا أن نعطي شجرة الميلاد رموز خلاصنا من الأوبئة والفساد والاحتلال.
اكتسبت شجرة الميلاد عظمتها من المعاني التي ترمز إليها، والذي زاد جمالها هو نظرة الانسان إلى معانيها، لذلك فجمالها ليس مظهراً يًبهر الناظر فقط، بل بما توحي لهذا الناظر من معانيها.
تبرز عظمة التعاطي مع شجرة الميلاد في قدرة الانسان على تحميلها ما يعتبره خلاصاً لبلاده، فهل نستطيع تحميلها رجاء خلاصنا من هذه الطغمة الحاكمة، هل نستطيع تزيينها برجاء خلاصنا من المؤسسات الطائفية والمذهبية التي أنهكت أرواحنا، هل نستطيع تحميلها رجاء خلاصنا من رجال الدين وغيرهم من الرجال الذين يبيعون الوطن في سوق النخاسة.
هل نستطيع تحميلها رجاء خلاصنا من الاحتلال والاغتصاب والانتداب غير المباشر
هل نستطيع تحميل شجرة الميلاد فكرة ثورة الشعب وليس فكرة تململ الطوائف.
هل نستطيع أن نعطي الشجرة معنى أننا كلنا مسلمون لرب العالمين وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا في أرضنا سوى اليهود.
هل نستطيع جعل شجرة الميلاد شجرة حقيقية بمعانيها في كل البيوت ونُخرجها من وظيفة الزينة فقط، إلى وظيفة المعاني الوطنية الجامعة.
تتعرض بلادنا لزنار من الأخطار الكبيرة فهل نستطيع تحميل شجرة الميلاد بعض معاني بعض مشاريعنا المتصدية لهذه الأخطار الكبيرة.
أشتاق أن أشاهد شجرة الميلاد المّزينة بسواعد رجال آمنوا بوحدة الشعب، وبأننا نحمل قدرة يجب أن تفعل لتغير وجه العالم.
أشتاق أن أراها شجرة واحدة، أغصانها من ليمون فلسطين وأرز لبنان ونخيل العراق وزيتون الشام.
أشتاق أن أراها خضراء كسهول بلادي في فصل الربيع.
أشتاق أن أراها مزيّنة بقلعة بعلبك وآثار تدمر والبتراء وبغداد والقدس.
أشتاق إلى شجرة الميلاد المزيّنة بشوارع القدس وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى.
أشتاق إلى شجرة الميلاد المزيّنة بشوارع دمشق وبوابات دمشق والجامع الأموي في دمشق.
أشتاق إلى شجرة الميلاد المزيّنة بجوري البقاع وياسمين الشام، ونرجس العراق، وسوسن فلسطين.
يُفرحني منظر الأشجار الكبيرة في الساحات، فهي آيات من الجمال وزينتها الملونة تشبه قوس قزح فتوحي لي بقرب سقوط المطر، ويحزنني لأنني أشعر أن هذه الأشجار أكبر من قاماتنا، وقوس قزح الذي ننتظره لا يشبه قوس قزحها..
هل نستطيع أن نُعيد لشجرة الميلاد روح السيد المسيح وروح النبي محمد في مدينة القدس مدينة الإيمان والصلاة ونبعث في أغصانها معاني بعث نهضة جديدة تهدف إلى تحقيق غاية شريفة.
زينوا شجرة الميلاد هذا العام بكوفية فلسطين.
إرفعوا قداديس الصلاة على نية المقاومين.
زينوا شجرة الميلاد بأحلام شعبنا التائق إلى وحدة الحياة وليس للعيش المشترك.
أرفعوا قداديس الصلاة على نية رحيل الفاسدين والمتحكمين بلقمة عيش الناس.