تبدأ قصتنا هذه مع الأرستقراطي الإيطالي بيترو ديلا فالي Pietro della Valle (1586 ـ 1652). فقد تعرض هذا الرجل ذو الحس الفني الرقيق لصدمة عاطفية قاسية، قرر على أثرها الرحيل عن موطنه قاصداً الشرق "الغامض" في جولة استجمام وسلوان.(1) كان في الثامنة والعشرين من عمره عندما أبحر من مدينة فينيسيا (البندقية) باتجاه مدينة استنبول حيث أمضى سنة كاملة تعلم خلالها اللغة التركية، وشيئاً من العربية. ونظراً إلى اهتمامه بالتحف والآثار، انتقل إلى العراق أولاً، ومنه إلى سورية، لزيارة المدن التاريخية.
استغرقت جولات ديلا فالي حوالي السنتين بين 1615 و1617. وشملت الزيارات مجموعة من المواقع الآثرية أبرزها نينوى في شمال العراق وأور في جنوبه. وبعد أن تزوج من سيدة محلية، قرر التوجه إلى مدينة برسبوليس الإيرانية التي كانت عاصمة الإمبراطورية الإخمينية خلال القرن السادس قبل الميلاد. وبين أطلال المدينة المتناثرة على مساحة واسعة، لفت نظر السائح الإيطالي نقوش غريبة على مداخل بعض أبواب القصر الملكي. فما كان منه إلا أن نسخ نصوصها، مع ملاحظة أنها ثلاث "لغات" مختلفة. وعندما قفل عائداً إلى بلاده، حمل هذه النسخ وقدمها إلى متحف "كيرشريان" Kircherian Museum الذي اندمج لاحقاً مع متحف آخر في روما.
لم يكن ديلا فالي ولا المسؤولون في المتحف يعرفون أي شيء عن "اللغات" الثلاث أو "الخط" المستعمل في نقشها. وقد تمكن العلماء لاحقاً من فك رموزها، فإذا هي الفارسية القديمة والعيلامية والبابلية، مكتوبة بالحرف المسماري. لكن هذا الانجاز كان يجب أن ينتظر قرابة قرنين من الزمن قبل أن تفصح الكتابة المسمارية عن مكنوناتها. والواقع أن النسخ التي أهداها ديلا فالي إلى المتحف في منتصف القرن السابع عشر كانت الأولى من نوعها التي تجد طريقها من موطنها الأصلي في الشرق الأدنى إلى المتاحف والجامعات الأوروبية.
الكتابة المسمارية التي استقرت نسخها في خزائن المتحف تشكل الوعاء الذي استوعب تاريخاً حضارياً استثنائياً يمتد على ثلاثة آلاف سنة تقريباً. فهي تحمل سجل إنجازات وعطاءات السومريين الذين أقاموا في جنوب ما بين النهرين مدنيّة متطورة تركت بصماتها في كل شعوب المنطقة. ونتيجة للازدهار الاقتصادي الذي شهدته المدن السومرية، كان من الطبيعي أن ينشأ نظام للكتابة على الأقل لتسجيل العمليات التجارية في المرحلة الأولى. ومن هنا انطلقت رحلة الخط المسماري Cuneiform الذي ظل مهيمناً لمدة 2500 سنة في الهلال الخصيب والمناطق المجاورة. وفي ذروة توسعه، كان مستعملاً لكتابة خمس عشرة لغة قديمة.(2) وآخر لوح عُثر عليه مكتوباً باللغة المسمارية يعود إلى سنة 75 ميلادية.
يقول علماء الآثار إن أقدم كتابة مسمارية تم اكتشافها حتى الآن عُثر عليها في مواقع أور وجمدت نصر وأوروك (الوركاء الحالية)، وتعود إلى حوالي 3200 ق.م.(3). وعلى مدى عقود، تطورت الكتابة السومرية من مجرد نصوص أولية لتسجيل المعاملات التجارية إلى لغة قادرة على التعبير عن ملاحم وترانيم دينية وأعمال أدبية مميزة. ثم جاء الآكاديون والبابليون، بعد أن تبنوا الحرف المسماري، ليقدموا مساهمات كبرى في تطوير الخط وتوسيع آفاق اللغة بحيث تستطيع استيعاب الموضوعات المعقدة. ويطلق بعض الباحثين صفة "السومري ـ البابلي" على الخط وعلى اللغة معاً. علماً بأن الشعوب المجاورة التي تبنت الخط المسماري حافظت على لغاتها الأصلية. وتجدر الإشارة إلى أن اللغة الآرامية أخذت تحل مكان اللغة "السومرية ـ البابلية ـ الآشورية" منذ مطلع الألف الأول ق.م. وسرعان ما أصبحت لغة التعامل بين دول المنطقة، تماماً مثلما كانت اللغة "السومرية ـ البابلية" من قبل. وعندما غزا الإسكندر المقدوني الشرق، كانت الآرامية قد احتلت مركز الصدارة اللغوية والأدبية. وقد اختفت الكتابة المسمارية بحلول القرن الميلادي الأول. وكانت رافقتها خلال القرون السابقة أبجديات جديدة، أبرزها تلك التي كشفت عنها تنقيبات أوغاريت ـ رأس شمرا (قرب اللاذقية).
دخلت المدن التاريخية مثل أور وأوروك ولارسا وسيبار... عالم النسيان، فما عاد يقصدها سوى الرعيان والبدو الرحل والباحثين عن الكنوز بين الأطلال الدارسة. وبعد قرون عديدة، كانت أوروبا قد انطلقت في نهضتها الصناعية والفكرية، وطرقت أبواب عصر التنوير الذي تضمن اهتماماً خاصاً بشؤون "الشرق". بعض هذا الاهتمام مرتبط بالسياسات الاستعمارية الأوروبية، في حين أن بعضه الآخر كان ينظر إلى "الشرق" من حيث أنه الساحة الجغرافية لمرويات التوراة والأنجيل ("الكتاب المقدس" حسب الكنائس الغربية). ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الوعي التاريخي الأوروبي كان محكوماً بموروث ثقافي يعتمد على مصدرين أساسيين: أولاً، الفكر اليوناني ـ الروماني الكلاسيكي. ثانياً، التراث اليهودي ـ المسيحي بعد أن تم الربط بين التوراة (العهد القديم) والإنجيل (العهد الجديد) في "كتاب مقدس" واحد! وبما أن جغرافية "الكتاب المقدس" تشمل الهلال الخصيب ومصر، فإن كتابة "التاريخ المقدس" لا يمكن أن تتحقق من دون أدلة آثارية حاسمة يتم العثور عليها بين أطلال المدن التاريخية التي وردت أسماؤها في القصص التوراتية والإنجيلية.
ركز المنقبون الآثاريون خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على المدن التي جرت فيها الأحداث التوراتية والإنجيلية، في محاولة للعثور على صلة مادية مقنعة بين الجغرافيا والقصة. ومن المدن التي حظيت برعاية خاصة لأن أسماءها ترتبط بالحدث "المقدس": أور، بابل، نينوى، حران، أريحا، القدس، دمشق... وغيرها. طبعاً هذا لا ينفي وجود علماء آثار موضوعيين كان دافعهم الوحيد العلم والحقائق التاريخية. إلا أن الغالبية كانت مدفوعة بالعصبية الدينية من جهة، وبالمصالح الاستعمارية للدول الأوروبية من جهة أخرى. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة للربط بين الحدث التوراتي وجغرافيا الهلال الخصيب، فإن ألوف الألواح الطينية واللقى الآثارية لم تقدم ما يشفي غليل هذه المجموعة. فقد بات واضحاً أن النقوش على الألواح الطينية والتماثيل والجداريات هي كتابة تتضمن تاريخ الممالك القديمة. ولذلك بقي عند هذا التيار بصيص أمل بأن الكتابة المجهولة يمكن أن تضيء على مرويات "الكتاب المقدس". لكن صعوبة فك ألغاز هذه اللغة سبّبت إحباطاً شديداً للباحثين التوراتيين، وفي الوقت نفسه شجعت على تكثيف الجهود لكشف أسرار الحرف المسماري كمدخل لقراءة الألواح الطينية التي بدأت تصل إلى أوروبا بعشرات الألوف.
لم تكن الكتابة المسمارية وحدها عاصية على العلماء في مطلع القرن التاسع عشر. فهناك لغة أخرى ذات أهمية بالنسبة إلى الدراسات التوراتية هي الهيروغليفية المستخدمة في مصر. لكن اكتشاف "حجر رشيد" سنة 1801 أثناء الحملة الفرنسية على مصر، فتح مجالاً واسعاً للكشف عن أسرار اللغة الفرعونية. فقد تضمن الحجر الذي يعود تاريخ نقشه إلى سنة 196 ق.م. نصوصاً بثلاث لغات: الهيروغليفية والهيراطيقية (العامية المصرية القديمة) واليونانية القديمة. وعلى هذا الأساس تمكن الفرنسي جان ـ فرنسوا شامبيون (1790 ـ 1832) Jean-Francois Champollion من فك رموز الهيروغليفية سنة 1822 عن طريق المقارنة بين اللغات الثلاث. أما علماء الآشوريات فقد كانوا يتمنون العثور على أي نص ثنائي اللغة أو ثلاثيها، لمساعدتهم في فك طلاسم ألوف الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري والتي بدأت تملأ خزائن المتاحف الأوروبية. ولا أحد كان يدري آنذاك أن المدخل إلى الحل السحري موجود في مكان قريب جداً من بلاد ما بين النهرين... وهو يحتاج فقط إلى الجرأة والمغامرة!
تقع أطلال برسبوليس بالقرب من مدينة شيراز. وتعتبر من أهم المعالم الأثرية والتاريخية في إيران. كانت عاصمة الإمبراطورية الإخمينية منذ أن بناها داريوس الأول سنة 518 ق.م. وأصبحت مقراً للحكم إلى حين دمرها الإسكندر المقدوني سنة 330 ق.م. وما يهمنا من هذا السرد أن معالم المدينة وأطلالها شكلت عنصر جذب للسياح والزوار، خصوصاً الرحالة الأوروبيين. لكن أحداً لم يحاول الوصول إلى نقوش مسمارية ضخمة على واجهة صخرية شاهقة يتجاوز ارتفاعها حوالي 120 متراً، ما يجعل من الصعب الوصول إليها من دون معدات تسلق وحماية. ومع أن المهتمين بالآثار، ومنهم الإيطالي ديلا فالي، نسخوا بعض النقوش الموجودة على عدد من الأبواب ولاحظوا أنها بالخط المسماري لكن بلغات مختلفة، إلا أن الكمية القليلة من الكلمات المنسوخة وقفت عائقاً أمام تحقيق أي تقدم في عملية فك الرموز.
في هذه الأثناء، كان الباحث الألماني جورج فريدريك غروتفند (1775 ـ 1853) Georg Friedrich Grotefend يعمل على فك رموز اللغة الفارسية القديمة المكتوبة بالمسمارية. وبحدود العام 1802 كان قد توصل إلى تحديد القيمة الصوتية لعدد من الأحرف، بعد مقارنة النصوص المسمارية بما هو معروف من الكتابات الدينية الفارسية القديمة المترجمة إلى اللغات الأوروبية حينها. ثم جاءت الخطوة الحاسمة على يد الإنكليزي هنري راولنسون (1810 ـ 1895) Henry Rawlinson الذي كان قد توصل إلى نفس نتائج غروتفند. غير أنه ظل بحاجة إلى نصوص أطول لإكمال المهمة. لذلك وضع نصب عينيه الوصول إلى النص المنقوش على الواجهة الصخرية في برسبوليس على الرغم من المخاطر الكامنة هناك. عمد راولنسون إلى بناء صقالة خشبية، وربط حبال التسلق كي يتمكن من الانحدار نحو الواجهة ونسخ النص بعناية فائقة.(4) واستعان أيضاً بأحد الفتيان المحليين لنسخ الجانب الصعب من الواجهة. وفي العام 1844 بات النص بلغاته الثلاث جاهزاً للعمل.
أظهرت الدراسة الأولى أن داريوس أمر بهذا النقش لتخليد انتصاراته على القوى المجاورة. وبهدف تعزيز التأثير "الإعلامي"، طلب أن يكون النص باللغات الفارسية القديمة والعيلامية والبابلية القديمة، طبعاً بالخط المسماري الذي تبنته الدولة الإخمينية. ومع حلول العام 1844 بلغ راولنسون مرحلة القدرة على ترجمة جمل كاملة. ومن ناحية أخرى، كان رجل الدين الإيرلندي إدوارد هينكس (1792 ـ 1866) Edward Hincks يعمل بصورة مستقلة ليتوصل إلى النتائج ذاتها. وأخيراً خرج راولنسون إلى العلن في العام 1851 ليقدم الترجمة الكاملة لنص داريوس بلغاته الثلاث. وكما هو متوقع، أحاطت التساؤلات بالترجمة إلى أن أقدمت "الجمعية الملكية الآسيوية" في لندن على إجراء تجربة حاسمة العام 1857. فقد دعت عدداً من المختصين بالخط المسماري إلى ما يشبه "الامتحان" الذي يتضمن أن يقوم كل منهم على انفراد بترجمة نص لم يسبق له الاطلاع عليه. وبالفعل جاءت الترجمات متشابهة إلى حد كبير، ما أكد للعالم أن اللغات المكتوبة بالخط المسماري سلمت أخيراً مفاتيحها لكل من يرغب في الإطلالة على كنوز المعرفة المنقوشة على عشرات الألوف من الألواح الطينية والتماثيل والنصب التذكارية وجداريات القصور الضخمة.
ويمكننا القول إن العام 1857 يعتبر نقطة تحول مفصلية في منهجية قراءة وكتابة تاريخ العالم القديم، ونقصد به: البابليين والأشوريين والفراعنة والفرس والحثيين والإغريق والرومان... إلخ. فقد انفتحت للباحثين والمؤرخين أبواب كانت موصدة حتى ذلك الوقت، ليس لقلة المصادر وإنما لصعوبة قراءتها. فقد كانت المرجعية التاريخية آنذاك تلتزم بالتراث اليوناني الروماني فقط، إلى جانب من يؤمن بحرفية "الكتاب المقدس". لكن مع فك رموز الخط المسماري، برزت معلومات تاريخية ودينية وأدبية واقتصادية تناقض بعض ما هو سائد، وبالتالي باتت تستوجب إعادة كتابة التاريخ بشكل جذري.
أما وقد أصبحت قراءة النصوص المسمارية متاحة للباحثين، فإن الكشف عن إبداعات السومريين والآكاديين والبابليين والآشوريين والكنعانيين وغيرهم لم يعد إلا مسألة وقت فقط. كان المهتمون بتاريخ الشرق الأدنى والمتخصصون بالدراسات التوراتية يتوقعون ـ بل ويأملون ـ أن تقدم لهم الألواح الطينية معلومات وتفاصيل تضيف إلى ما هو متوافر بين أيديهم من خلال الكتابات اليونانة والرومانية الكلاسيكية، ومعها طبعاً مرويات التوراة. لكن ما أظهرته النصوص المسمارية يفوق بكثير أقصى آمال وتوقعات وطموحات هؤلاء الباحثين. ففي العام 1872 أعلن الباحث الإنكليزي جورج سميث (1840 ـ 1876) George Smith أن أحد الألواح الطينية يروي قصة طوفان كوني تبدو شديدة الشبه بقصة طوفان نوح في التوراة. ويمكننا تخيل حجم الضجة الدينية والأدبية الواسعة التي أثارها سميث في أوروبا!
بلغ الاهتمام الإعلامي بهذا الكشف الاستثنائي حداً دفع أحد المتمولين الإنكليز إلى تخصيص منحة مالية لتغطية تكاليف سفر سميث إلى شمال العراق، كي يستأنف التنقيب في أطلال مدينة نينوى الأشورية. ذلك أن اللوح الذي يسرد حادثة الطوفان كان قد عُثر عليه سابقاً في مكتبة قصر الملك الأشوري أشور بانيبال (668 ـ 626 ق.م.). وبالفعل تمكن سميث من الكشف عن أجزاء أخرى من النص الذي بات يعرف بـ"ملحمة كلكامش"، أقدم ملحمة في تاريخ الآداب العالمية يتم العثور عليها حتى الآن. لكن سميث لم يتمتع بنتائج ما توصل إليه، إذ أصيب بالحمى أثناء وجوده في مدينة حلب وتوفي سنة 1876 عن 36 عاماً.
وخلال السنوات التي تلت وفاة سميث، أتاح الباحثون للقرّاء كماً هائلاً من المعلومات عن تاريخ بلاد ما بين النهرين وآدابها. يهمنا منها ملحمة كلكامش لأن قصة الطوفان واردة فيها. إن النسخة التي ترجمها سميث هي الأحدث تاريخياً، وتعود إلى القرن السابع ق.م. غير أنها مأخوذة عن نصوص سومرية وبابلية أقدم كثيراً. والطريف أن أشور بانيبال، الذي أنشأ مكتبة غنية في قصره، كان يفاخر بالقول: "لقد قرأت الألواح المعقدة التي نُقشت عليها كتابات سومرية وآكادية صعبة الفهم، وتفحصت الأختام، وقرأت النقوش الغامضة على الصخور منذ ما قبل الطوفان". وتتألف النسخة الأخيرة من 12 لوحاً، كل منها مقسّم إلى ستة حقول يصل عدد أسطرها إلى 300 تقريباً ما عدا اللوح الأخير الذي يضم 150 سطراً. واللوح الحادي عشر يروي قصة الطوفان.
واجه العلماء مشكلة أولية تمثلت بتعرض بعض الألواح لكسور وأضرار، ما أوجد فراغات في النص. غير أن الحل جاء عن طريق المزيد من التنقيب. إذ تم العثور على نسخ أخرى في عدد من المدن العراقية القديمة، "وعلى كسرة تعود إلى الملحمة في مجدو (فلسطين)، وعهدها من القرن الرابع عشر ق.م. (...) ويجب التنويه أيضاً بأن رواية قصيرة عن الطوفان وردت في النصوص المسمارية المكتشفة في أوغاريت القديمة (رأس الشمرا) قرب اللاذقية"،(5) مما يرجح وجود نسخة كنعانية. كما كشف المنقبون عن نص حثي في غرفة المحفوظات التابعة للقلعة الملكية في حاتوشي عاصمة الحثيين. وتبين أنه بالخط المسماري ومترجم عن الأصل الآكادي.(6) ومن العوامل الأساسية التي سهلت استكمال فراغات النص، أن الملحمة ظلت متداولة بين السومريين والآكاديين والبابليين والأشوريين على مدى قرون عدة. ومنهم انتقلت إلى الكنعانيين والحثيين، والأرجح أيضاً إلى الإغريق والرومان. أما القصة التوراتية فسنعود إليها بالتفصيل لاحقاً.
وعن طريق المقارنات بين النسخ، ومع المزيد من الكشوفات الأثرية، توصل العلماء إلى أن النص السومري هو المصدر الأصلي لأسطورة الطوفان. فقد عثر على نسخ سومرية قديمة في نيبور وكيش وأور وأوروك وسيبار. لكن النص الأكمل هو الذي تمت صياغته في العصر البابلي القديم (1950 ـ 1550 ق.م.)، باللغة الأكادية بحدود 1700 ق.م. وهكذا انتشرت الملحمة على هيئة وحدة سردية متكاملة، خصوصاً النص الأشوري في القرن السابع ق.م. فأصبحت "أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في تاريخ جمبع الحضارات. وإلى هذا فهي أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس ما يقارن بها أو ما يضاهيها من آداب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني".(7)
وكان من الطبيعي أن يبدي المثقفون في العالم العربي اهتماماً بالنصوص الأدبية المسمارية، بما في ذلك الملاحم التي تم اكتشافها في أوغاريت. وفي طليعة العاملين على ترجمة تلك النصوص الدكتور أنيس فريحة الذي أصدر دراسات وكتباً عن الملاحم والأساطير "السامية" من بلاد ما بين النهرين. في البداية صدرت ترجمات جزئية، إلى أن تعاون الباحثان العراقيان طه باقر وبشير فرنسيس على ترجمة ما هو متوافر من أجزاء الملحمة، ونشراه في مجلة "سومر" المتخصصة بالآثار سنة 1950. ونظراً إلى تشعب جهود ترجمة النصوص المسمارية في مراكز أبحاث متباعدة، خصص علماء الأشوريات مؤتمرهم السابع في باريس سنة 1958 للتحقق من النصوص التي تم اكتشافها. فتبيّن "أن النص الكامل للملحمة يتألف من مجموعة أجزاء أكبرها النص الاشوري. وبعد إضافة النص البابلي القديم الذي وُجد على كسر قليلة والنصوص الحثية والحورية، بقيت ثغرات تركها العلماء سطوراً خالية بشكل نقاط للدلالة على مكان النقص".(8) وهكذا أصبح بين أيدينا نص متفق عليه عالمياً، وإن كان ما يزال ينقص حوالي النصف تقريباً. واعتمد طه باقر على ذلك النص لإصدار ترجمته الكاملة سنة 1961 (طبعة وزارة الإرشاد العراقية). ثم تتالت الطبعات، معظمها عن الإنكليزية أو الفرنسية وبعضها عن الآكادية والبابلية.
وتجدر الإشارة إلى أن الملحمة البابلية القديمة والعديد من النصوص الأخرى أعيد استنساخها وتنقيحها في القرون الأخيرة، اعتماداً على أصول من الألف الثالث قبل الميلاد. والنسخة المعتمدة التي وصلتنا تُنسب إلى ناسخ كاهن طبيب يدعى "سين - ليقة – أنيني"، ويعني بالبابلية "ياسين تقبل صلاتي". ويقول الباحث العراقي علي الشوك: "النص المعتمد في الترجمات الحالية هو ما يدعى بالملحمة البابلية، والذي جمعت ونسقت مادته من 73 مخطوطة: من بينها 35 مخطوطة عُثر عليها في مكتبات آشور بانيبال في نينوى، و8 ألواح أخرى وشقف من ثلاث مدن آشورية، و30 مخطوطة من بابل والوركاء...".(9)
مرّ معنا أعلاه أنه لم يتم العثور دفعة واحدة على الألواح الطينية التي نُقشت عليها ملحمة كلكامش (وفيها أسطورة الطوفان). فقد بدأت عملية تجميع الأجزاء المبعثرة مطلع القرن العشرين عن طريق الشراء من تجار التحف العراقيين في تلك المرحلة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عاد المنقبون إلى مواقعهم الأثرية حيث كشفوا في مدينة آشور عن كسر من النسخة الآشورية، ثم عثروا في أوروك على كسر أخرى من النسخة البابلية: "الفارق مع ملحمة كلكامش، وكذلك مع بقية آداب وادي الرافدين القديمة، هو أننا ما زلنا في عملية العثور على المزيد من الألواح المكملة للثغرات المعروفة في الملحمة. فقبل سبعين سنة، كنا نملك أقل من أربعين مخطوطة (طينية) يمكننا لفق أوصال النص منها. ومع ذلك كانت هناك فجوات كبيرة في القصة. أما الآن فلدينا أكثر من ضعفي ذلك العدد من المخطوطات، وعدد أقل من الفجوات. وعلى مر السنين سيزداد عدد المصادر المتيسرة، وتزداد معرفتنا بالنص، إلى أن تكتمل الملحمة يوماً ما".(10)
وعلى مر السنين، تواصلت التنقيبات ومعها الاكتشافات الجديدة التي تتعلق بالملحمة. فقد عثرت بعثة تنقيب سنة 1979 في مدينة سيبار الأثرية الواقعة بين بغداد وبابل على ألواح طينية تحمل نصوصاً متنوعة من بينها جزء من قصة الطوفان. لكن الكشف الأهم تم في سنة 1984، فقد أعلن الدكتور خالد الأعظمي المتخصص بالخط المسماري عن اكتشاف لوح طيني في سيبار يعود إلى العصر البابلي، ويتألف من 24 سطراً تمثل جزءاً مفقوداً من ملحمة كلكامش. وقال الدكتور الأعظمي في تصريحات صحافية إنه رغم النصوص الكثيرة التي وصلت إلى أيدي العلماء والدراسات الكثيرة التي أجريت حولها، فقد ظلت الملحمة تبحث عن مقدمتها. وأشار إلى أن اللوح الذي لم يبق منه سالماً سوى 16 سطراً يشكل جزءاً مهما من المقدمة المفقودة.
والحقيقة أن التنقيب في سيبار كشف في موسم العام 1987 عن أرشيف كامل لمكتبة بابلية تعود إلى العام 1800 ق. م. وعثر المنقبون على غرفة كبيرة مكتملة البناء تضم مئات الألواح الطينية في حالة سليمة تماماً، ونقوشها المسمارية في غاية الوضوح، وهي موضبة بعناية تامة بمحاذاة الجدران الداخلية. وتبيّن أن أهمية هذا الكشف تكمن في أن الألواح هي عبارة عن عناوين مؤرشفة لكتب ومؤلفات بابلية تعود إلى القرن الثامن عشر ق. م. وخلال الموسم ذاته تم العثور على أكثر من 2500 لوح في المكتبة، عكف العلماء على دراستها فوراً.
وبعد دراسة الألواح المكتشفة في سيبار، أعلن رسمياً في بغداد سنة 1988 عن اكتشاف الأقسام المفقودة من ملحمة كلكامش. وقال رئيس البعثة الآثارية الباحث وليد الجادر "إن الألواح الجديدة تحتوي على النص الكامل، علماً بأن النص المتوافر لدينا (في ذلك الوقت) هو تركيب لمجموعات متفرقة من الألواح عُثر عليها خلال الحملات التنقيبية منذ مطلع القرن العشرين، مما أبقى فراغات ونواقص في سياق الملحمة".(11) وأضاف يقول إن النص البابلي يعود إلى القرن التاسع عشر ق. م. ويعتبر نسخة جديدة لأصل سومري أقدم بكثير كان معروفاً في القرن العشرين ق. م. كما أعلن أيضاً أن الألواح المكتشفة في سيبار تحتوي النص الكامل لأسطورة الخلق البابلية، والتي هي نسخة أحدث لنص سومري قديم. ويعتقد علماء الآثار بأن أسطورة الخلق مرتبطة بملحمة كلكامش وملحمة أتراحاسيس، حيث يتكرر فيها ذكر أسماء لشخصيات بعضها كان له حضور تاريخي في بلاد ما بين النهرين. وسنعود إلى هذه المسألة في سياق البحث.
وفي العام 1998، نشرت مجلة المتحف البريطاني خبراً يشير إلى أن أحد الباحثين في جامعة كولون الألمانية عثر في محفوظات دائرة آثار آسيا الغربية على كسرة لوح طيني تتضمن أسطراً عدة من مقدمة ملحمة كلكامش. وانطلاقاً من ذلك اقترح الترجمة التالية:
هو الذي رأى كل شيء، الذي كان أساس هذه البلاد
الذي عرف [...] كان حكيماً في كل شيء
كلكامش الذي رأى كل شيء، الذي كان أساس هذه البلاد
الذي عرف [...] كان حكيماً في كل شيء.
إن غالبية المكتشفات الإضافية لنصوص الملحمة جاءت في ظل أوضاع سياسية وأمنية خطيرة تعرض لها العراق، من الحرب مع إيران إلى غزو الكويت وما تبعه من حرب خليجية أولى، ثم حصار خانق أنهك العراقيين على مدى سنوات عجاف. وابتداء من سنة 1991 أصبحت مناطق الجنوب ميداناً مشرعاً للتنقيب العشوائي. وبعد تفكك المؤسسات الحكومية العراقية بفعل الغزو الأميركي ـ البريطاني سنة 2003، زادت وتيرة التنقيب، وازدهرت معها التجارة غير الشرعية بالآثار. لكن لا شيء يُقارن بتداعيات الغزو الذي أنزل كارثة بالآثار العراقية لا يمكن حتى الآن إعطاء ولو تقدير أولي لحجم الخسائر الناجمة عنها. فإلى جانب النهب المنظم للمتاحف والمواقع التاريخية المعروفة تحت أعين قوات الاحتلال وبمشاركتها في معظم الأحيان، أدى انهيار النظام الأمني في البلاد إلى موجة غير منضبطة من التنقيب السري والعلني في المدن الآثارية المنتشرة في ما بين النهرين، وتعود إلى مراحل تاريخية موغلة في القدم.
وأخطر ما كانت تسفر عنه عمليات التنقيب غير الشرعية يتمثل في ثلاثة جوانب أساسية: الأول، أن التنقيب لا يخضع للأساليب العلمية المتعارف عليها مما يفقد الباحثين أية قدرة على القيام بدراسات موثقة تأخذ في الاعتبار وجود الآثار في الطبقات الأرضية المتناسبة مع أزمنة تاريخية معينة. الثاني، عدم معرفة أماكن العثور على القطع الآثارية المكتشفة فيضيع أصلها فلا تعود ذات قيمة في البحث التاريخي. الثالث، وهو الأكثر ضرراً، أن القطع المسروقة أو التي يتم العثور عليها بالتنقيب غير الشرعي غالباً ما تجد طريقها إلى الأسواق الدولية.
ومع ذلك، وفي خضم هذه الصورة السوداوية، يحدث بين حين وآخر ما يعوّض بعض الخسائر وفق مبدأ "رب ضارة نافعة"! ومن ذلك، على سبيل المثال، الكشف غير المتوقع الذي أعلن عنه في أواخر العام 2015 ويتعلق بالعثور على كسرات من لوح طيني يتضمن قسماً كان مفقوداً من الفصل الخامس من ملحمة كلكامش. تبدأ القصة في متحف السليمانية في شمال العراق سنة 2011، عندما عرض أحد الأشخاص على مسؤولين في المتحف بيع بعض الألواح الطينية ذات الكتابة المسمارية، ويقدر عددها بحوالي 90 لوحاً، مقابل 800 دولار أميركي. وسرعان ما تبيّنت للعالم العراقي الدكتور فاروق الراوي أهمية هذه المجموعة فأوعز بشرائها على الفور... من دون الدخول في مساومات أو تساؤلات كي لا يذهب البائع إلى السوق السوداء!
وبعد تنظيف الألواح مما علق بها من أتربة جراء التنقيب العشوائي، أظهر البحث التمهيدي أنها تعود إلى العصر البابلي القديم، والأرجح القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وقد توقف الدكتور الراوي طويلاً عند لوح بعينه، محطم إلى ثلاثة أجزاء. ولم يتم تحديد ما إذا كان التحطيم قديماً أو ناجماً عن التنقيب الحديث. لكن النص المؤلف من عشرين سطراً باللغة البابلية كان شبه متكامل. وهنا جاءت المفاجأة السارة بالنسبة إلى الباحثين.
لقد تعاون الدكتور الراوي مع الباحث الإنكليزي أندرو جورج George Andrew من جامعة لندن، كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، على فك رموز الكتابة المسمارية. وروى هذا الأخير في وقت لاحق (12) طبيعة عملهما: "في العام 2011، فاروق الراوي، عالم بلاد ما بين النهرين، وهو عراقي الأصل يعيش في بريطانيا، عُرضت عليه مجموعة من الألواح السومرية عن طريق تاجر آثار في الجانب الكردي من العراق. وقد رصد من بينها قطعة شكلها على غير العادة. وقام بحث متحف السليمانية على تحصيل المجموعة كاملة. وعندما جلس لتنظيف القطعة الغريبة، وشرع في فك رموز نصها، أدرك أنه ينظر إلى قطعة من ملحمة كلكامش. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) أمضينا أنا وهو أربعة أيام في تأسيس حل شيفرة نهائي. وقد نُشرت النتائج بعد عامين في مجلة الدراسات المسمارية Journal of Cuneiform Studies ".
وتبيّن لهذين العالمين أن الأسطر العشرين تعود إلى قسم مفقود في الفصل الخامس من الملحمة، وهو الذي يتناول رحلة كلكامش وصديقه أنكيدو إلى غابة الأرز في سياق السعي للحصول على زهرة الخلود. ومن المعروف أن البطلين الأسطوريين يواجهان "الوحش" خمبابا حامي غابة الأرز ويتغلبان عليه ويقتلانه قبل العودة إلى مدينتهما. وتوضح لنا الأسطر الجديدة بعض الغوامض التي كانت عصية على الباحثين في الفصول المعروفة سابقاً، كما أنها تعطينا صورة مغايرة لمغامرة كلكامش وأنكيدو في غابة الأرز. فمن ناحية أولى، يظهر أن خمبابا ليس "وحشاً حارساً" حسب الترجمات السابقة وإنما هو "ملك" على الغابة التي تعج بالمخلوقات من قرود وطيور وأزهار وأشجار ونباتات. وأكثر ما لفت نظر الباحثين أن النص غني بالوصف التفصيلي للغابة وللقاطنين فيها وطبيعتها، وهذا أمر نادر إجمالاً في الشعر البابلي القديم الذي لا يعتمد كثيراً على الوصف المجرد. يضاف إلى ذلك أن المقطع المكتشف يلقي أضواء جديدة على الغابة و"ملكها الحارس" خمبابا. وأخيراً، ستساعد السطور المترجمة في توضيح مفردات كانت ما تزال غامضة في الفصول الأخرى من الملحمة.
إلا أن الكشف الأكثر أهمية وإثارة (13) هو ذلك الذي أعلن عنه في مطلع العام 2010. ومع أنه يتعلق بأسطورة الطوفان السومرية مثل مئات الألواح الطينية الأخرى، غير أنه يختلف عنها جميعها بمسألة أجبرت علماء الآثار والمختصين بدراسة التوراة على إعادة نظر جذرية في شكل السفينة (الفلك) التي حملت الناجين من الطوفان. فقد أظهرت ترجمة جديدة لنص مسماري مقاييس السفينة وكيفية بنائها... فإذا هي مختلفة تماماً عن الصور التي رسمها الخيال الشعبي على مدى قرون، فقد تبيّن أنها مستديرة الشكل أشبه ما تكون بالطوافات التي ما تزال مستخدمة في العراق حالياً.
عمر اللوح الطيني 3800 سنة تقريباً، عثر عليه البريطاني ليونارد سيمونز في مكان ما من الشرق الأوسط بين 1945 و1948 عندما كان في عداد سلاح الطيران البريطاني. وبعد وفاته، انتقلت ملكية اللوح إلى ابنه دوغلاس الذي قرر أخذه إلى المتحف البريطاني على أمل أن يستطيع خبير الخطوط أرفينغ فينكل قراءة حوالي 60 سطراً من الخط المسماري. وهنا كانت المفاجأة المذهلة للخبير البريطاني الذي سبق له أن فك رموز عشرات الألواح التي تروي ملحمة كلكامش بما فيها أسطورة الطوفان. فهذا اللوح هو الأول من نوعه، والوحيد آنذاك، الذي يصف شكل السفينة ومقاييسها. وقد ظل فينكل عشرين سنة يعمل على اللوح لضمان دقة الترجمة، وبعدها أصدر كتاباً عن نتائج أبحاثه. كما أعدت إحدى محطات التلفزيون في بريطانيا فيلماً وثائقياً تم خلاله بناء "سفينة" وفق التعليمات المذكورة في اللوح.
كان الناس، وبينهم عدد كبير من الفنانين، يتصورون السفينة بمنظور معاصر، أي أنها مستطيلة الشكل أشبه ما تكون ببواخر السفر الحالية. غير أنهم تناسوا مسألة مهمة ألا وهي أن "الفلك" لم يكن مخصصاً للإنتقال أو السفر إلى أي مكان. بمعنى أنه لم يُصمم ليمخر عباب المحيطات، وإنما الهدف منه أن يعوم فقط فوق المياه لإنقاذ كل الذين لجأوا إليه. ومن الأمور الأخرى التي أثارت انتباه فينكل أن النص يلمح إلى دخول الحيوانات السفينة أزواجاً بعد أزواج!
وتبيّن من الترجمة أن التعليمات التي يقدمها اللوح الطيني لبناء الفلك تلتزم بالمواصفات المعروفة عند البابليين آنذاك. وبعضها ما يزال مستعملاً في العراق وإيران حتى اليوم، وغالباً ما تستخدم تلك الأفلاك (الطوافات) لنقل القطعان عبر الأنهار أو في أوقات الفيضانات المحلية. فالإله يخاطب إتراحاسيس (نوح السومري) قائلاً: "ارسم القارب الذي ستبنيه في تصميم دائري، واجعل طوله وعرضه متساويين". ويرشده إلى استخدام سعف النخيل المطلي بالقار لمنع تسرب المياه قبل أن يباشر ببناء قمرات (غرف) للبشر وللحيوانات.
التفاصيل الواردة أعلاه لن تكون آخر ما يتم الكشف عنه. فمع أننا نملك القسم الأكبر من الملحمة، إلا أن هناك ثغرات عدة تنتظر العثور على ما يملأها. وليس هذا الأمر مستحيلاً، طالما استمرت جهود فك رموز الكتابة المسمارية وقراءة الألواح الطينية. فعلى سبيل المثال، نشير إلى أن مستودعات المتحف البريطاني لوحدها تحتوي على 130 ألف لوح طيني، القسم الأكبر منها لم يتم درسه بعد. فإذا أضفنا إليها ما هو موجود في متاحف العالم، وكذلك الصناديق المخزونة في مواطن اكتشافها... فمن المؤكد أننا سنحصل على مكتشفات جديدة تُكمل الملحمة، وربما نجد أيضاً إبداعات أدبية موغلة في القدم ما تزال مجهولة حتى يومنا هذا!
1 ـ They Wrote on Clay, Edward Chiera. Page 41
2 ـ Cuneiform – Reading the past, C. B. F. Walker. Page 40
3 ـ المرجع السابق، صفحة 9.
4 ـ المرجع السابق، صفحة 48.
5 ـ طه باقر، "ملحمة كلكامش". صفحة 60.
6 ـ علي القيّم، "مجالس الكتب". صفحة 153.
7 ـ طه باقر، مرجع سابق. صفحة 41.
8 ـ شريف يوسف، مجلة "الأقلام" العراقية. العدد التاسع، السنة العاشرة. حزيران 1975.
9 ـ علي الشوك، جريدة "الحياة" ـ لندن. 1 كانون الأول 2000.
10 ـ المرجع السابق.
11 ـ جريدة "البناء" اللبنانية، العدد 645. تاريخ 20 آب 1988.
12 ـ مجلة "الثقافة العالمية" ـ الكويت. السنة 32، أيار ـ حزيران 2016. وتجدر الإشارة إلى أن أندرو جورج كان قد أصدر سنة 1999 ترجمة إنكليزية جديدة للملحمة.
13 ـ مقابلة مع أرفينغ فينكل، صحيفة "الغارديان" البريطانية، 12 شباط 2014.