لا يلوح، حتى الآن، وعلى الرغم من حكايات حفاري القبور وصيادي المفارق، أن في أفق الرئيس ميشال عون ما يشير إلى تبدل في القناعات والخيارات الاستراتيجية. فالعارفون بطبع الرجل وبطريقة إجرائه حساباته يزعمون، بل يجزمون بأنه، في ما خص المقاومة، ثابت، رغم ملاحظات السر والعلن، ثبات زيجة مارونية، وعلى الطقس والقانون القديمين، على أن «ما جمعه الله لا يفرقه الناس». فلا طلاق، ولا فسخ عقد، ولا بطلان لزواج، على الإطلاق. اللهم، إلا لعلة الزنى...
وليس هذا الثبات، عند عون، هو لمجرد إثبات للوفاء حفاظا على ورقة تفاهم، على عهد. بل هو اعتقاد راسخ عند عون، مثلما هو عند المقاومة، بأن حماية لبنان والحفاظ على حقوقه لا يكونان إلا بقوة ذاتية، رسمية وشعبية، قوة تشكل، هي لا التحالفات الدولية، القول الفصل في إثبات الحق أو في إنكاره.
وعون، يؤكد عارفوه، أنه ليس ضيفا في ساح المقاومة. فالمقاومة، عنده وعند الحافظين دروس التاريخ جميعا، لا تخضع لحساب حقل سياسي ضاق ام اتسع، ولا لحساب بيدر المنافع الشخصية، بل لحقيقة أنها قدر المعتدى عليهم. والذين ينسون التاريخ ودروسه، لا بد أن ينساهم التاريخ. وعون حريص على أن لا ينسى، وحريص على أن لا ينسى (بضم الياء وفتح السين). وإذا كان عنده وعندنا ما يقلق، هنا، ويسبب هبوطا في حرارة العلاقة أحيانا فهو الخوف على المقاومة، لا من عدو الخارج، بل من الفساد حليف العدو داخل البلاد.
وهي حقيقة، لطالما لفت إليها، تنبيها وتحذيرا، أنطون سعاده منذ أكثر من ثمانين عاما، في إشاراته إلى أن «مصيبتنا بيهود الداخل أشد من مصابنا بيهود الخارج». ومنذ ثمانين عاما وأكثر، أكثر مسؤولينا، قل كلهم يتصرفون كالذين لهم عيون ولا يبصرون، وآذان ولا يسمعون...