-1-
شاعت (الابراهيميّة) وراجت.
سالت (الابراهيميّة) وذابت، بعد أن كانت (مجمّدة) في قبو (الاستراتيجيات الروحيّة).
أ
قامت في بطون النصوص والخطابات ومقدمات الأخبار.
طافت المدن، وجالت مواقع الآثار، وأقامت المخافر والحراسات.
باسمها عُقدت الاتفاقيّات ورُتبت التحالفات، وحولها نُسجت الروايات وحيكت القصص، ومن وحيها استُعيدت الصلوات والآيات والتسبيحات…!
… فعادت الخرافة لتعمل كاسحة وعي أمام السياسات والاستراتيجيّات.
-2-
تُجمع الروايات، على اختلاف رواتها، على أنَّ (الابراهيميّة) هي تعبير فوق – سياسي، لمشروع استراتيجي، وفق مقتضياته (هروَلَ / سيهرول العرب) إلى (إسرائيل) تطبيعاً. ليس خوفاً منها واستسلاماً لواقعها وحضورها وقوتها، ومن يقف وراءها ويفتح الدرب أمامها ويتحكّم بـ (اللعبة) من بابها إلى محرابها، بل (يهرول العرب) لهفةً وشوقاً عارماً لـ (الأخوة) بعد طول غياب، وجمعاً لنسل إبراهيم وذريته، بعد أن شتتها التاريخ وفرّقها: ديانات وشعوب وأعراق… وها هم (الأخوة) بعد أجيال وأجيال، وبعد أحقاب بعمر التاريخ، كادت لطولها تنسيهم أصولهم وتفقدهم بعضهم البعض الآخر، يلوذون بـ (أبي الأنبياء) / (أبوهم – إبراهيم) الذي ولدوا وتكاثروا من صلبه وإن كان بنسختين مسجلتين على اسمي: سارة وهاجر…!
لم يتيسّر أمر (الأخوة) على هذا النحو، إلاَّ بعد أن تفتّق ذهن (عبقري مصري) نزيل الزنزانة، رقم D-108 في سجن فلورنس، في ولاية كولورادو الأميركية. (عبقري) يتحدّر من نسل إبراهيم بنسخة هاجر، يدعى سيد نصير، ومشارك في اغتيال الحاخام مائير كاهانا في العام 1990، وتفجيرات مركز التجارة العالمي في العام 1993، ومحكوم بالسجن المؤبّد… تفتّق ذهن هذا (العبقري) عن (دولة إبراهيم الفيدراليّة) كـ (حلٍّ إلهي) للصراع الدائر بين (الأخوة) في فلسطين، ليبشّر به الإدارات الأميركيّة التي بعد إلحاح وتعب ومثابرة وكدٍّ وجهد لا يقوم به إلاّ من هو (مُرسل)…! آمنت وهي تتلقى هذه (الهدية السماويّة)، بعد أن كانت ضائعة مشتتة الرؤية لا تعرف كيف تحافظ على (أوسلو) … أوسلو وحسب! وإذ بها تستلم هذه (الإشارة الربّانيّة) من (إرهابي / مُهتدٍ) و (مُختار) لإبلاغ الإشارة ووضعها في أيادي من يتمكن من حملها وتحويلها إلى برنامج ملزم بمنزلة (الوصايا العشر). برنامج (لمُ شمل العائلة الابراهيميّة)، بعد أن دفع إبراهيم (هاجر – جاريته) مع ولده البكر إسماعيل بعيداً عن (سارة – زوجته) وابنه اسحق… لتتشتت العائلة منذ 4254 سنة، حسب إخراج القيد المسحوب من سجلات الخرافة…!!
-3-
منذ أن تلقى سيد نصير (الإشارة الربّانيّة) بـ (دولة إبراهيم الفيدراليّة)، وبلّغها للجهة المُرسلة لها، بدأ يتشّكل الفريق المولج بنشر الرسالة والايمان بها وفتح الطريق نحو تحقيقها. تلقى (الإشارة) جورج بوش الابن، وقرأها شخصيّاً ديك تشيني، وتلتها وربما رتّلتها هيلاري كلينتون، وتوسّع بالتبشير بها جون كيري، وأُقيمت الملتقيات الخاصة بها، وتأسس (الاتحاد الابراهيمي)، وها هو (بيت العائلة الابراهيميّة) سيفتح أبوابه قريباً في أرض أولاد هاجر، بعد أن تم إنجاز (الاتفاقات الابراهيميّة) برعاية دونالد ترامب وتسويق جاريد كوشنر – من نسخة سارة -، صيف العام 2020 بين (إسرائيل وكل من الامارات والبحرين).
(الدبلماسيّة الروحيّة) مصطلحٌ مُعتمدٌ الآن، لشرح وكشف (سرِّ المعجزة) التي تجمع أولاد هاجر مع أولاد سارة…!!
-4-
لم تكن (الإشارة) التي تلقاها (الإرهابي المُهتدي – سيد نصير) من دون علامات سابقة تبشّر بها. فلو تتبعنا (الخط الروحي) خلفاً ولأكثر من عقدين على (انخطاف عقله)، لرأينا الرئيس المصري المؤمن محمد أنور السادات في 19 تشرين ثاني 1977، على محراب الكنيست الإسرائيلي، يدجج خطابه السياسي بحمولات دينيّة من عيار: (أمثال سليمان الحكيم)، (مزامير داوود)، (أقوال زكريا)، ملاحظاً مشيئة القدر التي لا ترد، مخاطباً أخوته على مقاعد الكنيست يتقدمهم (الأخ الورع) مناحيم بيغن، قائلاً: [شاءت المقادير أن تجيء رحلتي إليكم، رحلة السلام، في يوم العيد الإسلامي، عيد الأضحى المبارك، عيد التضحية والفداء، حين أسلم إبراهيم – عليه السلام – جد العرب واليهود…] ليعود ويختتم خطابه كما يليق بسلوك (المؤمن) بالآية: [قل آمنا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون – 84 – سورة آل عمران].
-5-
الكتابات والمؤتمرات واللقاءات التي وضعت وعقدت حول (التطبيع) والرافضة له، بعد اتفاقيات (كامب – ديفيد 1978) / (وادي عربة 1994) / (أوسلو 1993) … وصولاً للاتفاقيات الابراهيمية. كل ذلك يبقى لغواً خاوياً من الجوهر، وضعيفاً إن لم يُصار إلى تحييد (النص الديني) جانباً.
ملاحظة: تأويل الطبري لم يعد مجدياً.
-6-
أبناء هاجر متلهفون للقاء إخوتهم أبناء سارة. هم في شوق لعناقهم حتى ولو ظلت هاجر تردد على مسامع الملاك: (إنَّ سارة قد طردتني مجرّدة) … مجرّدة من ميراث إبراهيم.
-7-
عندما وصل البابا فرنسيس إلى أور في 6 آذار 2021، ثمة من ظنَّ بأنه وضع رأس (البيكار) لرسم المسار الابراهيمي الواصل للقدس. (البيكار) بدا متمرداً على فصول الخرافة، بدل أن يقوّس خطه، انغرس عميقاً في أوابد أور…
قيل: إنَّ يد جلجامش لا تزال تكتب تاريخ أوروك، وهي وحدها من تعرف كيف ترسم قوساً يصل أرز لبنان… أرز الرب.
-8-
ماذا لو تتابعت (الإشارات الربّانيّة) وجاءت واحدة هذه المرة من أحد (الإرهابيين المهتدين) في سجن غوانتنامو، لتبلغ (الإدارة الأميركيّة) أنَّ (الوالد – إبراهيم) لا يطيق هذا العناق ولا هذا اللقاء، فقد افتدى اسحق ليس بخاروف، وإنما بإبعاد إسماعيل ابن هاجر مسبقاً. فليعد كلٍ إلى مكانه قبل أن تختنق ذرية إبراهيم من شدة العناق…!!
-9-
القوس الخصيب بين أور والقدس لا يزال مشدوداً إلى عمقين / جذرين: سومري – كلداني في الشرق، وكنعاني في الغرب.
المعركة هنا تماماً، كما على جسد القوس بين العمقين.
-10-
كلّنا ابراهيميّون،
إلاَّ مَن خرج منّا على النص،
مَن تحرر من طوق الخرافة…!!
-11-
تذكير: الخرافة كاسحة وعي.