لمّا رجعنا عَ لبنان بعد أوّل تهجير، كان عمري بوقتها شي 6 سنين، عيطلي جدّي وقلّي تعا بدّي أعملّك طيارة ورق وأنا ما كنت عارف شو يعني طيارة ورق. جاب قصبه شقفها بسكين وبخيط وتلزيقه وشوية ورق، متل السحر صار في طياره عطاولة السفره عند بيت جدي... قلّي خدها وروح جيب بكرة خيطان وطلاع طيّرها بالبويدر. ركضت عالبيت، تحت الخزانه العتيقه، كان في علبة بسكوت مدوّره من تنك لونها ازرق، بس فضيت عملتها إمّي علبة خياطه.. فيها إبر ودبابيس وكشتبان وبكر خيطان من كلّ الألوان. وكان فيها بيضة خشب لرتي الكلسات، كان في ناس يستعملوها بعيد القيامه، يغشو ليكسرو ويربحو بيض فيها. قدّيش كان في ناس تغشّ بيوم قيامة المسيح!! منهن يشمّعو البيضه ومنهن يزفتوها، يعني يقدحوها ويفضّوها يرجعو ينقطو فيها شمع أو زفت لتقسى وتكسر البيض الحقيقي... ما بعرف اذا فعلاً كانو شهود على قيامته قد ما كانو صادقين بتكسير البيض!
لغايته، خلّينا نرجع لموضوعنا، يومتها نقّيت بكرة الخيطان السودا لأن حسّيت إنّه الخيط الأسود أقسى خيط وطلعت عالبيودر، بيدر الضيعه عإيام جدّي والقمح والنورج والمدرايه، التله براس الفريكه، فوق البيت لطيّر أول طيارة ورق بحياتي. كان في كتير ولاد معهن طيّارات ورق بس خيطانهم كانت غير، بنيّه وتخينه ولفّتها عريضه وفيها متل خشبه لتمسكها. هيدا الشي ما خلاّني إتراجع وضلّيت مصرّ إنّه بقدر طيّر طيارة الورق ببكرة الخياطه تبع امّي. وكنت كلّ ما اركض متر ينقطش الخيط لخلصت البكره وطيارتي ما عليت شبر عن الأرض. بينما البقية كانت طياراتهم مملايه السما وما حدا بالو فيي. حملت طيارتي ونزلت عالبيت وقررت أفرطها لإتعلّم كيف عملها جدّي. ومن يومتها صرت اعمل طيارات ورق ودوزنلها ميزانها وميزان دنبها اللي ما فيك تنقصله ولا تزدله شرشوبه لأن الطياره بتبطّل تطير مزبوط...
وبهون نهار قررنا انا ورفيقي بالمدرسه الفرنكوفونيه اللي تعلمنا فيها وكنّا مجبورين نحكي فرنساوي نعمل طياره كتير كبيره "علم فرنسا" تَ قدّ ما تعلى يضلو الناس شايفين علم فرنسا بسمانا نحنا اللي كنّا ندرس تاريخ فرنسا قبل تاريخ لبنان والأدب الفرنساوي قبل الأدب العربي ما حدا خبّرنا إنّه فرنسا كانت محتلّتنا وقسّمتلنا بلادنا وسجنت وقتلت الأحرار فيها وحبستنا بحدود طائفيه، حدود وهميه وصرنا متل النمله اللي بترسملها دويره حواليها بقلم بتحبس حالها فيها... ولنعمل الطياره رحنا اشترينا من المكتبة نيلون أزرق وأبيض وأحمر وعملنا طياره كتير كبيره وما صدّقنا كيف طارت وصارت تعلى ونحنا نشدّ وهي تعلى وصرنا نعطيها خيطان وكل ما إلها تشد وتعلّي.. لبلشو الخيطان يجرحولنا إيدينا.. شو بدنا نعمل؟ قررنا نضحّي بكتب المدرسه اللي أهلنا بيرجعو يبيعوها بالمكتبه كتب مستعمله. أوّل ضحيه كان كتاب التاريخ نحنا نخزّق منه وراق لنمسك خيط الطياره الفرنساويه والخيط يخزق التاريخ اللي بإيدينا. خلص كتاب التاريخ ولحقه كتاب الجغرافيا وكتاب العربي...هيدي كانت الكتب الرخيصه ولما وصلنا لنستعمل الكتب الفرنساويه الغاليه انقطش الخيط ووقعت الطياره ببيت شباب...
وبعد شي 30 سنه، طلب منّي ملحّن صديق اذا بيطلع معي كلام عن قصة تنين بحبو بعض.. في حدا قرر يهاجر عباريس وحدا يضلّ بالوطن.. فتذكرت قصة هيدي الطياره وكتبت:
في جسور وفي ناس
ما بيربطها احساس
ممحيه خطوط الايدين
وعيون بتسأل ل َ وين؟
والوين خيط احترق...
سافر وحدك عباريس
بطيارة ورق
انا... وطني انسرق.