وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
قرآن كريم (سورة الشعراء)
يكثر الحديث عن الثورات العربية في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب .
تتشابه المحطات الناطقة بالعربية والعبرية واللغات الغربية،في استهدافها وتركيزها وإثارتها،
كما تتشابه في سكوتها وصمتها، ويتشابه ضيوف هذه المحطات من المنظرين والمحللين وأدعياء الثقافة والفكر. ومن شدّة التشابه تعلم أن رئيس التحرير والمدير الحقيقي لهذه المحطات واحد.
لا مصلحة لنظام الهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، في تحرير الشعوب العربية وتحقيق نهضاتها. بل على العكس من ذلك مصلحته تكمن في تفتيت هذه المجتمعات ومنع أي تقدّم حقيقي لها. ومن يتابع علاقات الغرب وتعامله مع المنطقة العربية ،منذ القرن التاسع عشر وإلى يومنا هذا، يدرك ذلك بوضوح.
الدول العربية "المتحالفة "مع أميركا، لا تجرؤ على مخالفة الارادة الأميركية، بل تسعى الى ارضائها وتقديم الطاعة والخضوع بشتى الطرق.
ثورة الاتصال في عصر الأنترنيت والفضائيات أعطت الاعلام سلطة كبيرة هي من أهم السلطات في الدولة والمجتمع ويمتد تأثيرها إلى حيث يصل الاعلام. ويجري توظيفه لخدمة المصالح السياسية للقوى التي تديره.
المواطن العادي لا يحتاج إلى ثقافة عالية ولا إلى مفكرين كبارا أوصغارا ليعلم من هي الجهة الحقيقية التي تقف وراء هذا الاعلام.
هل يمكن تصديق هذه المحطات، وتصديق أنها تقدم خدمات مجانية لتحرير الشعوب العربية وتحقيق نهضاتها؟ وهل نصدّق أنها حريصة على سيادة واستقلال وحرية وكرامة الشعوب العربية وهي التي تتمركز على أراضيها القواعد والجيوش العسكرية الأميركية؟ أو أنها حريصة على الحرية والديمقراطية وحقوق المواطن؟
وهل يمكن تصديق ضيوف هذه المحطات تجار الثقافة والفكر الذين يعملون على ارضاء المحطة لقول ما تريد مقابل قبض ما يريدون؟
هل يمكن تصديق من يسمونهم "مفكرين "المتنقلين من الحضن الماركسي الى الحضن الليبرالي الأميركي، المتنعمين بمراكز في الغرب والمترفين باستضافة أمراء النفط؟
محاربة الفساد وتحقيق الاصلاح مسألة ضرورية وملحة لضمان أمن واستقرار وتطور المجتمع والدولة، كما ان بناء نظم ديمقراطية وطنية هو أمر لا يمكن تأجيله.
ولكن لا يمكن تحقيق ذلك عن طريق الغرب ولا بالارتهان الى مخططاته.
الثورة لها مستلزماتها ولها عدّتها. أولها أن نعرف من نحن ومن عدونا.
الحركة التي لا تنطلق على أساس قومي وطني يساوي بين الجميع دون أي تمييز هي حركة تدفع إلى الوراء وليس إلى الأمام.
دولنا ومجتمعاتنا بسبب التخلف والجهل والفساد تسهل تغلغل المؤامرات ونفاذها. ولكن المؤامرة هي واقع قائم باستمرار في الخفاء والعلن وليست نظرية خيالية يحاول البعض تسخيفها.
الموقف الوطني هو موقف أخلاقي بالدرجة الأولى وهو يحتاج الى تضحيات أكثر مما يحتاج إلى فلسفات وتنظيرات. وهذا الموقف يأخذه الانسان العادي قبل المثقّف.
المثقفون هم أكثر فئة في المجتمع عرضة لإغراءات الخيانة.
يبدّل كثير من المثقفين مواقفهم وينتقلون من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن النضال ضد الامبريالية الأميركية إلى الجلوس في أحضانها والتنعم بطيباتها ومجالسة شياطينها، وذلك بغية الحصول على امتيازات ومنافع مادية.
ويبقى مثقفون راضين بالحرمان معرّضين للظلم والاضطهاد لأنهم يلتزمون قضايا الأمة والوطن.
شكل الشاعر في الجاهلية ماتشكله اليوم المحطات الاعلامية والفضائيات من حيث القدرة على التأثير بالناس.
وكان معظم الشعراء يبيعون مواقفهم لصالح القوى والشياطين التي تحركهم فيمدحون من يمدحون ويهجون من يهجون بناء على طلب هذه القوى.
قلّة من الشعراء الذين حافظوا على موقف اخلاقي خارج المصلحة والتكسّب.
الآية الكريمة نزلت ضد صنف الشعراء الذين يقولون ما لايفعلون ويغوون الناس بالكذب والنفاق ويستقوون بشياطينهم.
كم تنطبق هذه الآية الكريمة على كثير من المحطات الفضائية وعلى ضيوفها من المثقفين الذين يتحفون المشاهد بتنظيراتهم وتحليلاتهم وسخافاتهم ومواقفهم المعيبة؟!