هل يسمح لنا الآن ان نتحدث عنه بعد رحيله.. ولا أقول غيابه...فمن أمثال هذا الانسان المختلطة طينته بطينة القديسين، هيهات ان يغيب عن ضمير أبناء مجتمعه بعد ان ترك في كل زاوية من زواياه مآثر تبقى حديث الناس ومرويات عطاءاته.
محمد علي الشماع ...أيقونة قداسة رسمها الالتزام بمبادئ وعقيدة وقيم فجرّت في نفسه ينبوع عطاء لم يتوقف عن ضخ معانيه طوال أيام حياته. فكان في مختلف مواقعه مسؤولاً إدارياً في حزبه ومسؤولاً مميّزاً في الكثير من نوادي ومنتديات العمل الخيري والرعائي في مدينته، خير مثل للإنسان الملتزم، والحركة التي لا تهدأ ولا تستكين إلا وقد أكملت واجبها على أفضل وجه، يلتزم قسمه في محيط بيته ... وكم كانت تسكره تلك الوقفة النظامية لأحفاده وهم يرفعون يمينهم زاوية قائمة...
لم يكتف بما ألزمه به قسمه بتقديم المساعدة للمحتاجين من الرفقاء، بل يتجاوزه ويقدم المعونة والمساعدة لجميع من قصده من المحتاجين.
اذكر أولى أيام معرفتي به حين كنا على مقاعد الدراسة في صيدا. كيف جمع رفاق صفه في حفل تكريمي لزميل لنا حصل على علامات مميزة في امتحانات نهاية السنة الدراسية، مع انه لم يكن من رفقائه القوميين وقدم له في نهاية الاحتفال مغلفاً يحتوي على مبلغ مئة ليرة كانت تكفي في ذلك الحين لينتقل ذلك الطالب الفلسطيني او الجنوبي كما يسمونه في حزبه الى احدى دول الخليج. ليلتقي به بعد أعوام، وقد امسى مديراً في احدى الشركات الكبرى هناك، حينما كان مع مجموعة من الناشطين في احدى المؤسسات الخيرية يجمعون تبرعات لإنشاء دار للأيتام، كم كانت مفاجأتهم عظيمة حين فتحوا المغلف الذي قدمه لهم ذلك المدير بعد ان عانقه زميله القديم محمد علي الشماع وتذكر ذلك المغلف الذي اوصله الى مركزه هذا، اذ كان يحتوي على شيك بمبلغ يتجاوز قيمة جميع ما كانوا جمعوه.
ماذا تراني اذكر من مآثر الرفيق محمد علي؟
طوال رفقتي له كانت عطاءاته ترافقه في جميع حركاته وسكناته.
اذكر مرة ونحن نعبر أحد شوارع مدينة صور كيف استوقفني فجأة ليقترب من كهل كان منحنياً على مستوعب نفايات يبحث عن شيء فيه ينتفع منه فيدس في جيبه ورقة نقدية قائلاً له "لا تواخذني يا عم فقد وقعت منك هذه الورقة وانت تنحني".
واستعجلني للابتعاد قبل ان يصحو الرجل من المفاجأة.
هذه بعض ملامح من حياة هذا الانسان الذي لا تجد على جدران منزله أي أثر لتلك الشهادات والتنويهات والميداليات التي أغدقت عليه في مسيرته النضالية والاجتماعية.
الرفيق محمد علي كان طوال حياته هاوي عطاءات يعطي من يسأله ومن لم يسأله.
كانت الحياة عنده وقفة عز فقط، فلم يحنِ هامته يوماً حتى في الأيام العصيبة ولم يتراجع عن موقعه في الحزب في أشد الساعات حرجاً وخطراً.
فبقيت الحرية والواجب والنظام والقوة شعاراً له وايماناً، والتصدي لكل الطائفية والاقطاعية موقفاً لا يحيد عنه، والايمان العميق بأننا سنبقى الامل والرجاء للعبور بأمتنا من جميع هذه المنزلقات الخطرة التي تواجهها الى الأفضل والى فجر لا غسق بعده.