توما،
عذبني تساؤلُ عينيكَ حين عبرتَ
مع الرمح إلى جرحي...
وكنتُ أغفرُ للسياط والشوك والصليب.
إنهمرتْ على جسدي المحموم رعشة
وخوفٌ من برودة اصبعكَ الممتدِ
يعرّيني من نشوة الموتِ والقيامة...
توما؟
"ليزداد يقيني، سيدي!!"
توما،
دمي يشهد.
نبعُه يسقي الخطيئة في أجسادكم، فيطهرها.
وتعبرون جلجلتي، يحملكم فينيقُ الرماد.
كي لا تحزنوا،
ولا يسافرُ في هدوء أحلامكم طيفُ حزنٍ
أعرّي عمري على الخشبة.
توما،
يؤلمني إلتصاقُ ملاسةِ الشكِ
بشفافية دمي...
وأحزنُ.
*******
"سيدي، ماذا أقولُ؟
تلفّتَ القلبُ إلى الأفقِ
مذ عبرتَ الجليلَ إلى الجلجلة...
فماذا أبصرتْ عيناي؟
أنكروكَ سيدي.
واستوطنَ الصدأ شفاهَهم ورموشَ أعينهم.
لا شئ يبقى.
عندما تبتلعك برودةُ الليلِ...
يبتعدُ الآخرون
وينحني السوط يدفئ وحدتكَ،
وولائم الموتِ تفترشُ جسدكَ المرهق...
سيدي،
وحيداً كنتُ حين إرتفعَ بك الصليبُ،
وانهارَ في عمري عالمٌ طفوليٌ بعيدٌ،
وبكيتُ...
سيدي،
وحيداً حزيناً جئتُ ألتصق بجرحِكَ
ليحملني إليك خفقُ الدم،
ويزداد يقيني!؟"
*******
توما... توما...
يُؤلمني إلتصاقُ ملوحةِ الدمع
بعطشِ دمي
... وأبكي.
*******
حدّثنا توما.
ماذا قلتَ حين ارتفعَ مُدحرجاً الصخرَ،
مُلقياً عليكم رذاذَ الدم واليقين...
وحين أعطاكم الوعدَ
بأن تحمله إلى أحزانكم عودةٌ جديدةٌ...
ماذا قلتَ توما؟؟
*******
"عالمٌ طفوليٌ بعيدٌ طافَ في أفقِ عيني
وفرحتُ.
قبله، كنتُ جاهلاً معنى العمر.
والذكرياتُ بقايا غبار تجرّحها الأقدامُ العابرةُ،
ونستمرُ في النزيف.
قبله، كانتْ هي
وجوداً يتغلغلُ فيملأ فراغَ روحي.
لكن، آه...
وحيداً حملتُ إلى جرحِه خوفي وحزني
وتعمّدتُ بدمه.
فوق راحتيه وضعتُ رأسي... وغفوتُ.
قلتُ أحدّثه عن الخوفِ والحزنِ والنزيف...
قلتُ أحدّثه عنها،
عن العذابِ إذ تنسابُ ببطء خارجَ عينيّ...
قلتُ أحدّثه عن...!
لكن، لفّتني فجيعة الموتِ
عندما إرتدَ اصبعي عن رعشةِ الجرح في جسده،
ونسيتُ كلَ أحاديثي.
غمرني طوفانُ الحزنِ حين ارتفعَ عنا،
وكان الفرحُ يلوّن الأوجهَ المُنتظِرة.
آه سيدي:
لماذا لم أفرحْ،
ووحدي إنطويتُ أبكيك بصمت؟"
*******
بذا حدّثنا توما.
ثم طوى يده المُدّماة... وانطفأ.
*******
"توما...
لماذا لم تتشبثْ باليقين
ولم تفرحْ
ولم تغسلْ يديك؟
كان المطرُ يمتزجُ بالدمعِ الكاذبِ،
والآخرون يتناتشون خشبَ الصليب،
ويفرحون!
فلماذا لم تأخذْ قطرةً من الدمِ
ووعداً بالملكوتِ،
وتنسى أنه تجرّعَ الكأسَ من أجلنا؟"
******
صامتٌ توما.
تكسّرتْ في عينيه حواجز الدمعِ
الآتي من أعماقِ ندم أسطوري...
وبكى.
*******
"توما: ألا تنسى؟
توما: ألا تغفر؟
توما: ألا ترحل وتتركنا؟
تشبّعتْ أعيننا بأحزانِ الخريفِ،
والفرحُ الربيعي ما عادَ يعرفنا...
فأتركنا.
إترك لنا دمَه يقيناً وحيداً باقياً
يعبرُ بنا، نحن المتعبين،
هواجسَ الشكِ والندم!"
*******
صامتٌ توما.
حزينٌ توما.
عيناه تُمطران الأرضَ،
ويدُه تنغرسُ في الترابِ...
لا يبكي... ولا يرحل!