الوسيلة غير المنفصلة عن الغاية: نظام المؤسسات:
المادة الأولى في دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي ينص على غايته.
والدستور يشتمل على العقيدة والنظام معاً. فالمواد الأولى والثانية والثالثة من الدستور تنص على التوالي, على غاية الحزب أولاً ثم مبادئه الأساسية ثم الإصلاحية, أما المادة الرابعة فعلى مصدر السلطات في الحزب, والمادة الخامسة على نظام الحزب المركزي التسلسلي, ونصّت بقية مواد الدستور على قسم العضوية والمسؤولية وحقوق الأعضاء والمؤسسات وواجباتها. فالعقيدة والنظام في الدستور مواد دستورية متتابعة في وحدة متكاملة. وهكذا فالدستور يتضمّن كل شيء, كل حياتنا الحزبية, ولا شيء خارج الدستور. إنه الناظم لحياتنا الحزبية كلها, إنه القانون الاساسي للحركة السورية القومية الاجتماعية. إنه اشتمل على انبثاق حزبنا التاريخي: زعامة انطون سعاده نفسها والتعاقد وقسم الزعامة, كما اشتمل على ديمومة حزبنا بالمؤسسات صاحبة الصلاحية الدستورية وعقيدته ومبادئه وتعاليمه ونظامه؛ فهذا يعني أن لا شيء خارج الدستور.
والسؤال الاساسي الذي يطرح لماذا حرص سعاده على تضمين المبادئ والعقيدة الدستور موادَّ دستورية فيه الى جانب النظام ولم يكتف بنشرها على حدة في كتاب التعاليم؟ ذلك لأن سعاده اكد في مقدمة الدستور ان اعتناق العقيدة وحده غير كاف, فاشترط الانتماء الى الحزب حتى تكتمل العضوية. اعتناق الفكرة خطوة أساسية ولكنها غير حاسمة. الحسم في الممارسة والممارسة ضمن المؤسسة. من هنا جاء النص في مقدمة الدستور التي وضعها الزعيم: "وعلى أن يكون معتنقو دعوته ومبادئه اعضاء في الحزب". ولكي يصبح معتنق العقيدة عضواً في الحزب عليه أداء قسم العضوية الذي يشتمل على النص التالي: "أن أحفظ قوانينه ونظاماته واخضع لها, وان احترم قراراته واطيعها وان انفذ جميع ما يُعهَد به اليّ بكل امانة ودقة".
فالعضوية التزام بالمؤسسات, بنظامها وقوانينها ومقرراتها. واعتناق العقيدة دون هذا القسم غير كاف للانتماء.
وبالتالي من دون هذا القسم لا عضوية في الحزب وعلى الاساس نفسه فالخروج على شرط هذا الانتماء على "حفظ القوانين ونظامات الحزب والخضوع لها واحترام قرارته وطاعتها" يعني نقضاً للقسم وفسخاً للتعاقد ونكوصاً عن العضوية.
هذا الارتباط الكلي الكامل الشامل بين اعتناق العقيدة والانتماء للحزب بين العقيدة والنظام, بين الغاية والوسيلة الوحيدة الصالحة لتجسيدها, يعود الى ما قصده سعاده من الحزب السوري القومي الاجتماعي, الى الغاية نفسها التي تحدّد وسيلة تجسيدها الأوحد, والى النظرة الفلسفية الأساسية عند سعاده.
اولاً – نعود الى النص الذي استشهدنا به في فصل الغاية, عن مقصد سعاده الأساسي من إنشاء الحزب وخططه: "إن خطط الحزب السوري القومي الاجتماعي كما هي في فكر الزعيم وتخطيطه وعمله لم ترم قط الى إنشاء كتلة عقائدية متحجرة, بل الى منظمة عقائدية تفعل ادارة وسياسة وحرباً لتحقيق غايته ودستور الحزب وتشكيلاته كلها تدل على اتجاهه العملي مع تأمين اساسه العقائدي" (شروح في العقيدة، ص. 72). فالحزب العقائدي المتجه الى الفعل في المجتمع "ادارة وسياسة وحرباً" جسّد اتجاهه العملي هذا دستوره وتشكيلاته, بحيث إن هذا النظام وجد لهذه الغاية, وبحيث إن تخريب هذا النظام او عدم العمل به, يخرّب "الخطة النظامية الدقيقة" التي أراد سعاده تحقيقها للنهوض بالمجتمع وتوحيده لمواجهة الأعداء الخارجيين والداخليين ويجهض القصد الأساسي والغاية التاريخية من نشوء الحزب. تأكيد سعاده على ان "دستور الحزب وتشكيلاته كلها" وجدت لتأمين تحقيق الغاية بفعل المنظمة العقائدية "ادارة وسياسة وحرباً لتحقيق غايته" قول واضح وحاسم وملزم.
ثانياً – المؤسسات تجسيد لنظرة سعاده الاساسية الى الإنسان – المجتمع. في وجه عصر الفردية الانحطاطي أقام سعاده نهضته على الاجتماعية التي تنظر الى الإنسان من زاوية الحقيقة الإنسانية الكبرى – حقيقة المجتمع, لا من زاوية الفرد الذي هو في حد ذاته وضمن ذلك الحد مجرد امكانية إنسانية "ذلك انه اذا كانت النزعة الفردية هي في أساس عصر الانحطاط والتحلل من الروابط الاجتماعية والمسؤولية الاجتماعية"، واذا كان سعاده قد اعلن انها اشد خطراً من الاحتلال الأجنبي ووجبت مكافحتها بضراوة, فإن النقيض لها هو الاخذ بالاجتماعية المجسدة في القومية الاجتماعية التي تؤمن بالإنسان – المجتمع وتؤمن باجتماعية القيم. لقد حدّد سعاده القيم, وأهمها الحق بأنه "يمتدّ في المجتمع بلا حدود, فهو لا يموت مع الفرد ولا يفنى بفناء العدد". ومن يجسد هذه الديمومة والاستمرار؟ المؤسسات التي لا تفنى بفناء الفرد ولا بفناء العدد بل وهي الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات. هل من تطابق أكثر من هذا التطابق بين فلسفة سعاده الاجتماعية عن ديمومة الحق واستمراره بلا حدود في المجتمع ونظرته الى المؤسسات على أنها وحدها الأداة الصالحة لهذا التجسيد؟
يقول سعاده : "إن إنشاء المؤسسات ووضع التشريع هو أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية لان المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل وهي الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات، بواسطة مؤسساتنا الحزبية المنظمة تمكّنّا من القضاء على الفوضى وترقية خططنا وأساليبنا. ولولا مؤسساتنا القومية ونظامها المتين لكانت العوامل الشخصية الأنانية التي برزت في بعض الظروف تمكّنت من تسخير جهاد ألوف السوريين وألوف السوريات لمطامعها". (سعاده، خطاب أول آذار 1938، من كتاب "سعاده في الأول من آذار"، ص. 43).
إن نظرة سعاده إلى الإنسان – المجتمع بدلاً من الإنسان – الفرد تقوم على أساسين تجسدهما فكرة المؤسسات:
1 – على فكرة الديمومة في المجتمع والتي تتجسّد في المؤسسات ومعناها: "الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات"، كما يقول سعاده.
2 – وهي تشتمل، ثانياً، على اعتبار الفرد مجرد إمكانية "إذا غلط امرؤ في استنتاج أو تأويل أو في حس فيصلح غلطه باستنتاج امرئ آخر وتأويله أو حسه الصحيح". (نظرة سعاده إلى الإنسان – شروح في العقيدة، ص. 164).
أليس هذا هو إنسان سعاده المختلف عن إنسان السفسطائيين الفردي الذي يعتبر نفسه أنه مقياس كل القيم؟
وأين تجري عملية التكامل الإنساني هذه التي تصوّب الاستنتاج أو التأويل الفرديين إلا في المؤسسات "التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل.. وتمكّنا من القضاء على الفوضى وترقية خططنا وأساليبنا"، مجسدة معنى التكامل المجتمعي؟ إن الزعيم "ينظر إلى الإنسان من مستوى فكري جديد ويرفع بنظره الإنسان من حدود فرديته المنحصرة في إمكانيتها إلى مطلق اجتماعيته المنفتحة على الكون". (سعاده، شروح في العقيدة، ص. 164).
هذا المفهوم لمحدودية الفرد ولإطلاقية المجتمع، تجسده المؤسسة المجسدة الديمومة الاجتماعية المتخطية الأفراد في تفاعلهم وتكاملهم وعطائهم من ضمنها. وهذا المفهوم القومي الاجتماعي إذ يؤكد أن الضامن الوحيد هو المؤسسات يسقط مفهوم الأفراد – الضمانات لمصلحة الحزب – الضمانة فينهي عصر الانحطاط والاستقطاب الفردي، ولأن "الإنسان – المجتمع الذي يعلنه سعاده هو غير الإنسان – الفرد الذي أعلنه السفسطائيون".
ولقد أكد سعاده بطريقة انتقال السلطات من بعده على إيمانه المطلق بمؤسسات حزبه مجسداً نظرته إلى الإنسان - المجتمع، في ديمومته وتكامله، ونظرته إلى العقل الشرع الأساسي في المجتمع. ففي الدستور تجسيد لفلسفة سعاده ونطرته الاساسية. وهذا الفهم العميق لدستورنا هو أساس فهمنا لترابط العقيدة والنظام في التجسيد العملي.
فقد نصّت المادة الحادية عشرة من الدستور كما وضعه سعاده على أن "يجتمع المجلس الأعلى بناء على دعوة من رئيسه في مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ حيلولة أي مانع طبيعي دائم دون ممارسة الزعيم سلطاته لانتخاب خلف له"، ونصت المادة الثانية عشرة "يكون للرئيس المنتخب السلطة التنفيذية فقط، وتحصر السلطة التشريعية من دستورية وغير دستورية بالمجلس الأعلى".
يتضح من نصوص هاتين المادتين:
أولاً: إن سعاده ترك للمؤسسات من بعده اختيار خلف له ولم يقيّدها بشخص اختاره سلفاً. وهذا نقض كلي لمبدأ الزعامة في المفهوم التسلّطي الفاشي وتسفيه عملي للذين أساؤا فهم معنى زعامة سعاده الدستورية المميّزة. فلا وصاية على الحركة عند الزعيم المؤسس – بعد حيلولة مانع طبيعي دائم دون ممارسة سلطاته – بل ثقة مطلقة بالمؤسسة من بعده أن تمارس هي هذه السلطات الكاملة. وقد جعل اختيار خلفه بالانتخاب فهو "الرئيس المنتخب" تاركاً للجماعة حق الاختيار الأنسب.
وهو ثانياً, جعل السلطة العليا في الحزب جماعة لا شخصاً وأعطاها سلطة التشريع والتخطيط وتعديل الدستور (المادة العاشرة والمادة الثانية عشرة من الدستور كما وضعه سعاده). فأكد سعاده بهذا على ان زعامته التي كانت مصدر السلطات واشتملت على السلطتين التشريعية والتنفيذية, نبعت من مقدمة الدستور, من كونه المعلم المؤسس, واضع العقيدة, وصاحب الدعوة اليها, فهو الفرد "الذي بدأ به الحق" حسب فلسفة الإنسان – المجتمع, ولكن الحق يستمر في المجتمع, في المؤسسات التي تمثل وحدة الاتجاه ودوام الخبرات.
فالعقيدة السورية القومية الاجتماعية بطبيعتها تجسّدت في نظام قومي اجتماعي ولا يمكن أن تستمر خارج هذا الإطار الطبيعي. فهي ليست نظرة تصوفية ولا فكرة غيبية ولا نزعة فردية حتى لا تتجسد في المؤسسات والنظام ضمن المجتمع. ان قوة المؤسسات وغناها هما في كونها تمثل استمرار خبرات المجتمع والإطار الوحيد للتفاعل الاجتماعي. إنها تمثل حقيقة المجتمع وديمومته. وهذه الحقيقة لا يمكن أن يختزنها الأفراد ولا العدد بل شرطها أن تكون مجتمعية مجسّدة في ما يختزن الديمومة: المؤسسات.
وهو ثالثاً, من هنا كان الحق اجتماعياً, وكانت المؤسسات وحدها هي التي تجسد الحق المطلق لانها تختزن روح المجتمع ولانها تصهر جهود الافراد وتنوع امكانياتهم بوحدة المؤسسة وتراثها المستمر.
ومن هنا كان خطأ الأفراد ضمن المؤسسة عابراً زائلاً وكان خطأ المؤسسة في كلتيها واستمرارها بحيث يتم إصلاح الأخطاء ضمن القاعدة الاجتماعية التي وضعها سعاده قاعدة الإنسان – المجتمع.
ولكن لا قدرة لأي فرد خارج المؤسسة, جوهر هذا الاختبار الاجتماعي المتفائل, على إصلاح الخطأ في حال حصوله, كما ان لا وجود لأي فرد خارج المجتمع.
ومن هنا تكون النتيجة الثالثة: إن الارتداد عن نظام المؤسسات عدا انه كما اظهر في الفقرة الأولى تخريب في الخطة النظامية الدقيقة وغايتها فهو الارتداد الى الفرد والفردية مقياساً للأمور، وهو عكس نظرة سعاده الى المجتمع والقيم الاجتماعية.
ذلك أن اي فرد او مجموعة افراد تخرج على المؤسسات تكون قد رفضت فلسفة سعاده في ديمومة الاختبار وفي اجتماعية القيم التي تشكل المؤسسات، كما قال سعاده إنها "الضامن الوحيد" لها.
ثالثاً – بطبيعة الحزب النهضة المواجه عصر الانحطاط الفردي والعائلي والطائفي لا بد من ان يرتبط نشوء النهضة بالمؤسسات الجديدة "انه النظام الذي لا بد منه لتكييف حياتنا القومية الجديدة ولصون هذه النهضة العجيبة" (سعاده، خطاب اول حزيران 1935) ولقد بين الزعيم خطورة "خلوّ مجتمعنا القومي, مدة أجيال وقرون طويلة, من مؤسسات قومية بالمعنى الصحيح". (شروح في العقيدة، محاضرة الزعيم في مؤتمر المدرسين القوميين الاجتماعيين العام 1948، ص. 147), واعتبر هذه المشكلة "المشكلة الأولى العنيدة المعقدة التي رأت الحركة السورية القومية الاجتماعية أنها تصدّ أولى خطواتها وتعرقل بادئ اعمالها" (ص. 148) ذلك ان "لا الكنيسة او الجامع او الخلوة (باعتبارها مؤسسة الرابطة الدينية) ولا العشيرة ولا الطائفة ولا الإقطاع, ولا شيء من هذه المؤسسات الاولية يصلح لشيء من مبادئ الحياة الجديدة – الحياة القومية الاجتماعية. ولست أستثني من هذه المؤسسات العائلة – البيت, فالعائلة عندنا مؤسسة دينية طائفية, لا مؤسسة قومية عامة".. فالعقيدة القومية الاجتماعية حتمت قيام مؤسسات قومية اجتماعية لصيانتها وتعزيز فعلها في المجتمع. "مبادئ الحياة الجديدة" فرضت نشوء "مؤسسات الحياة الجديدة". ويقول الزعيم في هذه المحاضرة نفسها "وإذا كان عملنا يعني بناء مجتمع جديد فلا أخال البناء يكون بلا نظام ولا ترتيب". (ص. 154).
ففي وجه عصر الانحطاط ومؤسساته الشائخة كان لا بد للنهضة من مؤسساتها الجديدة. وكذلك في وجه الإرادات الأجنبية كان لا بد من حركة الصراع القومي الاجتماعي, لـ"دولة الشعب السوري المستقلة".
رابعاً – النظام المركزي التسلسلي:
"الدستور وتشكيلاته العملية لتحقيق غاية الحزب"، كما يقول الزعيم والنظام المركزي التسلسلي هو قاعدة هذه التشكيلات العملية, ولا بد من فهم حدود هذا النظام وأصوله التي يؤدي القسم على الالتزام بها والتقيد بنظاماتها والخضوع لقراراتها, ولا بد من فهم امر اساسي وهو ان الحزب الثوري العقائدي بحاجة الى نظام متين لتحقيق غايته, وكل تصديع بهذا النظام هو نحر لغاية الحزب التي تتجسد بهذه الاداة الوحيدة, هذه الوسيلة التي لا تنفصل عن الغاية.
الدستور ينص على النظام المركزي التسلسلي, ويعني هذا التسلسل من أعلى الى أدنى. ويعني هذا ان كسر إحدى هذه الحلقات يقوض النظام كله ويكون خروجاً على قواعده واسسه.
يقول الزعيم "فكون مجلس العمد مؤسسة صادرة عن سلطة تشريعية عامة لتحقيق أغراض تعاليم معينة, فمرجعه هذه السلطة وهذه الأغراض والتعاليم المقيد بها والمسؤول تجاهها في كل ما يخطط وينهج, ويجب عليه أن لا يتعدى هذه الحدود الا اذا اراد تعريض النظام الدستوري كله للانهيار".
ويقول الزعيم ايضاً "بحيث لا يكون لأية عمدة من العمدات حرص مستقل على مصلحة الأمة غير مندمج في حرص المرجع الأخير للمنظمة مهما كان شكل هذا المرجع: الزعيم او المجلس الاعلى او المبادئ والتعاليم والدستور".
ويقول أيضاً: "فالقاعدة الاساسية المنطقية يجب ان تكون أن المسؤوليات الكلية لا يمكن أن تكون صلاحية من صلاحيات أية مؤسسة جزئية وأن المسؤوليات المطلقة ليست من شأن ادارة مقيدة, مهما كانت عامة الصفة ضمن دائرتها المحدودة. وانه لمن الصعب قبول مثل هذا التعبير حتى من مجلس العمد كله". (سعاده – شروح في العقيدة، ص.ص. 77 -78).
يتبين من هذه النصوص الواضحة لسعاده أنه ليس حتى المجلس العمد كله, كما يقول الزعيم, ولا لأية عمدة من العمدات حرص مستقل على مصلحة الأمة غير مندمج في حرص المرجع الأخير للمنظمة. والمرجع الأخير, كما يقول الزعيم, إنه اما الزعيم او المجلس الاعلى او التعاليم او الدستور.
فالقول بأن سياسة الرئيس او مجلس العمد الفلاني كانت لمصلحة الأمة هو مخالف كلياً للقاعدة التي رسمها الزعيم. لا حرص مستقل لأية مؤسسة على مصلحة الأمة غير مندمج في حرص المرجع الأخير للمنظمة, لأنه ليس لمجلس العمد, كما يقول الزعيم, ان يتعدى هذه الحدود، "إلا اذا اراد تعريض النظام الدستوري كله للانهيار". وبالتالي ينطبق هذا على المنفذ العام والناظر وجميع المسؤولين الفرعيين طالما أنه ينطبق على السلطة التنفيذية المركزية كلها, باعتبار لا مسؤولية لمسؤول خارج النظام الدستوري المركزي التسلسلي بكل حلقاته المتكاملة. لا صلاحية لمنفذ عام خارج النظام المركزي التسلسلي. لا صلاحية لمجلس العمد كله, كما يقول الزعيم, خارج الحدود الدستورية اي خارج الاندماج في حرص المرجع الأخير للمنظمة، "إلا إذا أراد تعريض النظام الدستوري كله للانهيار".
وعندما نقول المؤسسات نعني حصراً المؤسسات الدستورية المنطبق انبثاقها واستمرارها على قواعد الدستور. فإذا كان سعاده قد جعل زعامته دستورية من ضمن الدستور فلا تستطيع مؤسسات أن تنشأ من خارج الدستور وأحكامه أو أن تستمر بعد نقضها للدستور واحكامه, لأن الولاء للمؤسسات مطلق اطلاق التزامها بالدستور وانبثاقها واستمرارها وفق قواعده.
سابعاً – من ضمن قاعدة النظام المركزي التسلسلي يقول سعاده "إن الإدارة العليا في الحزب هي التي تشرف على جميع الأعمال والمشاريع والمسؤولين ولها وحدها حق مراقبة الأعمال وتفتيشها بصفتها السلطة العليا المعبرة عن الإرادة العامة لجميع السوريين القوميين".
ويقول "إن أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي هم, بحسب قسمهم, متعهدون بتأييد سلطة الزعيم (التي انتقلت الى المجلس الأعلى) المعبرة عن الارادة العامة للقوميين تحت كل الظروف وبإطاعة أوامر الزعيم والرؤساء الذين يعيّنهم الزعيم ويمنحهم ثقته على قدر صلاحياتهم فلا يجوز لأحد من الأعضاء مخالفة تدابير الرؤساء أو اثارة الظنون حولهم لعرقلة مهمتهم".
ويقول ايضاً "للأعضاء حق إبداء الملاحظات والآراء للمراجع الادارية فقط, كما ينص دستور الحزب. وهذا لا يعني أن يجب ان يمتنع الأعضاء عن اشاعة ملاحظات في أوساطهم لا يدركون مدى عواقبهم ولا مبلغ صحتها". (من رسالة الزعيم الى منفذ عام منطقة سان باولو 9 ديسمبر 1941 منشورة بخط يد الزعيم في النشرة الرسمية للحزب الصادرة في كانون الثاني 1960).
هذه القواعد التي رسمها الزعيم لكيفية تصرف الاعضاء والمسؤولين ضمن النظام المركزي التسلسلي تعني أن مراقبة الأعمال وتفتيشها هي من صلاحيات "الادارة العليا للحزب وحدها بصفتها المعبرة عن الارادة العامة لجميع السوريين القوميين"، كما يقول الزعيم.
إن إطاعة الرؤساء مشروطة, كما هو واضح, بولائهم لنظام الحزب ومؤسساته الدستورية. فسعاده يقول "الرؤساء الذين يعيّنهم الزعيم ويمنحهم ثقته على قدر صلاحياتهم". فكل رئيس او مسؤول تجاوز صلاحياته وخرج عن الدستور يكون قد حنث بقسمي العضوية والمسؤولية فخسر حقه في الطاعة لأن لا طاعة للعصيان.
واما القاعدة الثانية فإطاعة الرؤساء بالتسلسل، لانه "لا يجوز لأحد الاعضاء مخالفة تدابير الرؤساء او اثارة الظنون حولهم لعرقلة مهمتهم, لا يجوز لمجلس العمد مجتمعاً ممارسة الحرص على مصلحة الأمة خارج النظام الدستوري والتسلسل المركزي ورقابة وصلاحيات السلطة العليا, لا يجوز لرئيس الحزب ان يطرح الظنون حول المجلس الأعلى ولا للعميد ان يطرح الظنون حول رئيس الحزب او للمنفذ العام أن يفعل الامر نفسه بالعميد ما دام كل من هؤلاء متمتعاً بسلطان الدستوري.
هذا خروج آخر عن النظام المركزي التسلسلي, على المؤسسات الدستورية, على الدستور.
والقاعدة الثالثة, للأعضاء حق إبداء الملاحظات والآراء للمراجع الادارية فقط كما ينص دستور الحزب. وهذا يعني انه يجب ان يمتنع الاعضاء عن اشاعة ملاحظات في اوساطهم لا يدركون مدى عواقبها ولا مبلغ صحتها. الشائعات والاقاويل غير المسندة والمنتقلة على سبيل القيل والقال تنبّه سعاده لخطورتها في تخريب الحزب.
ويختم سعاده رسالته هذه بقوله: "فعلى كل سوري قومي صحيح العقيدة مخلص لمصلحة حزبه أن يأخذ علماً بهذه النقاط الهامة ويعمل بالتعليمات والتوجيهات الواردة فيها, وعلى كل سوري قومي مخلص لما يعرف مبلغ الفرق بين الحزب السوري القومي ونظامه من جهة والجمعيات الصغيرة المحدودة الأغراض والأعضاء وطريقة عملها من جهة اخرى، ان يتنبهوا الى غلطهم ويبادروا الى درس قوانين حزبهم ليتقيدوا بها. اما الذين يريدون ان يبقوا في حرية فوضوية لا يرتبطون فيها بنظام ولا بقانون ولا بمبادئ ادارية ولا بسلطة عليا، فهؤلاء لا يمكن الحزب السوري القومي أن يعدّهم أعضاء نظاميين. فيمكنهم ان يبقوا خارج نظام الحزب واذا ارادوا مساعدته من الخارج، فالحزب يقبل مساعدتهم ويشكر اعمالهم ويعدهم مجندين لقضيته وحركته ولا يفرض عليهم التقيد بنظامه الدقيق. اما الاعضاء المجاهدون فيجب أن يعلموا أنهم تحت النظام والقانون وأنهم مسؤولون تجاه إدارة الحزب عن تصرفهم وأعمالهم".
هكذا علّم سعاده. وبمعيار تعليم سعاده نقيس كل الظاهرات ونحكم عليها.