الأوّل من آذار هو العلامةُ الفارقة والحدثُ الأبهى في تاريخنا الحديث. هو يومٌ جميلٌ، مشعٌّ بنضارةِ الحياة وانطلاقها. وهو إطلالةُ الرّبيع المتألّق بالخصب وجمال الطّبيعة وألوانها البرّاقة. هو يومٌ وُلِدَ فيه طفلٌ في عينيه ضوءٌ فاق النّجم وهجاً. ومع السّنين تحوَّلَ هذا الضّوء إلى أنوارٍ هاديةٍ ساطعةٍ تشِعُّ حبّاً وآمالاً وحقّاً وخيراً وجمالاً. وأمسى هذا اليومُ عيداً للأمل والأحلام، للفرحِ والوئام، للحبّ والوفاءِ.
إنه عيدُ الولادة المُشرِقة، ولادة النّبوغ في إبن الأوّل من آذار، إبن ضهور الشّوير، أنطون خليل سعاده الّذي اختارته إرادة الأمّة لينطق بلسانِها وليعبِّر عن مكنوناتِ أفكارها وطموحاتها وليقود نهضتها الجديدة وليسير بها على طريق الجهاد والبطولة صعوداً إلى الرّقي والمجد.
إنّه عيدُ الفرح القوميّ، فرح الأمّة بهبّة الحياة. بولادة العبقريّة في فتى الرّبيع، في شخصيّته “المركّبة”، الغنيّة “غنى كبيراً بالعوامل النفسيّة” والّتي “يحتاج درسها إلى مجلدات."[1]
إنّه عيدُ الفرح العظيم، فرح الأمّة بهديّة السّماء لها. بولادة التفوّق والإبداع في شخصيّة هذا الرّجل “الغريبة العجيبة”[2]. هذه الشّخصيّة الحقيقيّة، المتميّزة بإدراكها العالي وعاطفتها الصّادقة، بهمّتها وحيويّتها، بإرادتها القويّة وعزمها الأكيد، بيقينها وصراحتها ووضوح أفكارها، بصبرها وإيمانها وثقتها بنفسها، بقوّة شعورها ورِقّة إحساسها. شخصيّة “لا يمكن تقليدها أو الخلط بينها وبين غيرها ولا يمكن استبدال غيرها به."[3] الأوّل من آذار هو عيدُ ولادة أمّة برجل، رجل المبادئ المُنقذة والفكر النّهضويّ، عيدُ الزّعيم بطلّته المضيئة. هذه الشّخصيّة الصّريحة، المُحِبّة، الّتي ترى في عينيها بريق الصّدق والأمل والرّجاء وتقرأُ على جبينها حروف العزّ والشّموخ والعنفوان. هذه الشّخصيّة الّتي تتمتّع بنفس فاهمة، كبيرة، واسعة: تتّسع للكون ولا يمكن أن تذوب. نفسٌ عميقة تمثّلت روحُ الأمّة فيها وعبّرت تعبيراً عظيماً عن “الآمال الكبيرة العالقة بها أنفس ملايين البشر”[4] وعن إرادة “أمّة ستعود إلى الحياة وتثب إلى المجد” والفلاح…[5]
الأوّل من آذار هو عيد سعاده، رجل القضيّة القوميّة وصاحب النّظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفنّ. هذه الشخصيّة الفريدة، المتواضعة، القريبة إلى القلوب والكبيرة في إيمانها وحبّها وإخلاصها والغنيّة في أحلامها وطموحاتها ورغائبها العالية.
الأوّل من آذار هو عيد الزّعيم، الّذي يجمع بعقله مجموعة من العبقريّات وموسوعة من العلوم والمعارف: هذه الشّخصيّة الأصليّة المنبثقة من صميم عظمة الأمّة السّوريّة ومن نتاج عبقريّتها ونفسيّتها. هذه الشّخصيّة الّتي تفانت بعطاءاتها وتضحياتها من أجل الارتقاء بالأمّة، وأهمّ ما أعطته تمثّلَ بالمناقب الجديدة والتّعاليم المحيّية لتشقّ الأمّة طريق حياتها “فأحدثت هذه المناقب والتّعاليم “أعجوبة الدّهر” ووحّدت المحمّديّين والمسيحيّين والدروز في إيمان قوميّ اجتماعيّ واحد ينقذ الأمّة إنقاذاً كليًّا"[6] ويرتقي بها إلى قمم المجد.
في عيد الرّجل العظيم الّذي أحبّ أمّته حبّاً كبيراً وواجه في سبيلها الموت بوقفة عزٍّ وثباتٍ، فسالت دماؤه على رمال بيروت لتؤكّد على حقيقة التّعاليم السّامية ولتنبت خصباً وخيراً وعطاءً وشقائق نعمان. في عيدك يا زعيمي لك منّا تحيّة الحبّ والوفاء وعهداً بالعمل والنّضال لتحيا سورية كلّها حياة العزّ والشّرف والحريّة.
[1] أنطون سعاده، “عيد الحزب السّوريّ القوميّ”، الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 31، 1/11/1941
[2] هذه العبارة لسعاده. المرجع ذاته.
[3] المرجع ذاته.
[4] أنطون سعاده، “لو لم أكن أنا نفسي…!”، الآثار الكاملة 1 – أدب، بيروت، 1960، ص 213.
[5] المرجع ذاته.
[6] أنطون سعاده، “نعمة ثابت بطل الخيانة”، نشرة عمدة الإذاعة، بيروت، المجلة 3، العدد 4، 15/08/1947.