بتاريخ سابق نشرت نبذة غنية عن السيرة النضالية للرفيق نزيه باشا الاسعد[1].
مؤخراً قرأت للرفيق الاديب والمناضل حسن مرتضى[2] من كتابه "كلمات تأبى الانحناء" المقالة التالية بعنوان "بعض مشاويري مع الرفيق نزيه الاسعد"، أوردها كما هي لمزيد من التعريف عن سيرة رفيق كان له من حضوره النضالي اللافت في الجنوب اللبناني.
ل. ن.
*************
كثيراً ما دعاني في تجواله وهو يتوغل فيتعمق الجنوب فيدخل تخوم منفذيتي...
ما زلت اذكر كيف فاجأني ذات يوم على باب منزلي في صور وانا أهمّ بالصعود الى سيارتي في طريقي للإشراف على اعمالي الزراعية..
كان برفقته شاب لا يتجاوز الخمسين من عمره يقاربه بطول قامته كما بسنيّ عمره يفتر ثغره عن ذات الابتسامة التي لا تفارق محياه...
ترّجل معه من سيارة "الاوبل" التي كان يقودها وتوّجه نحوي متسائلاً ربما لا تزال تذكر الرفيق المهندس احمد الدرويش فهو يقول انه التقاك أكثر من مرة في مكتبه حيث يعمل في دوائر المشروع الأخضر.
وبعد ان احتسينا قهوتنا على عجل عاد فسألني إذا كنت لا امانع في مشاركته مشواره الى بنت جبيل لأن الشباب هناك يتشوقون للاجتماع به والتعرف الى البيك الذي هجر قصره وتاريخه العريق ليلتحق بركب العاملين على إزالة كافة الحواجز بين أبناء المجتمع الواحد المتساوي في الحقوق والواجبات ...
أغرتني دعوته خصوصاً وقد طلب مني يومها ان أضيف الى مسؤوليتي كمنفذ عام لصور الاشراف على فروع الحزب في منطقة بنت جبيل تمهيداً لتحويلها الى منفذية وعرجنا في طريقنا على مزرعة الغندورية لينضم إلينا الرفيق حكمت غندور الذي تربطه بالرفيق نزيه صداقة قديمة وكنت بدوري قد كلفته بتنظيم شؤون الرفاق هناك بعد بعد ان كنا قد عقدنا في بيته اجتماعات إذاعية مهّدت لانتمائهم وتشكيل مفوضية...
ثم واصلنا بعدها الطريق الى بنت جبيل...
لم اعد اذكر تماما اسم صاحب المنزل الذي اجتمعنا في باحته الواسعة وان كنت أرجح انه من آل بيضون..
ما زلت اذكر كيف تدافعت الجموع المحتشدة هناك للتسليم على البيك وكم صفقوا له عندما بدأ حديثه المشبع بالإيمان والمعرفة...
يومه توضحت امامي بجلاء الصورة الصادقة لهذا المشهد الحميم وكيف تتحول الممارسة الى لغة تخترق الحواجز لتستقر في القلب والوجدان كلمات من متاحف التاريخ تلفظها شفاه آثرت التحرر من دهاليزه والقفز الى رحاب الفضاء واضوائه...
فكيف لا يلاقي مثل هذا الترحيب...
فها هو ابن شبيب باشا الاسعد من يحمل لواء أوسع اقطاعية في الجنوب يهجر فراشه الوثير وعيشه الرغيد لينعطف نحو طريق لم تتعود عليها قدماه محفوف بالشوك والعوسج تودي الى السجن والفقر والتشريد معبراً الى الهدف البعيد...
اذكر كيف انتهى اجتماعنا هذا بشبه تظاهرة... وكيف توالت بعدها طلبات الانتساب الى الحزب في تلك المنطقة..
وتكررت بعدها هذه الزيارات مرات ومرات ترافقنا فيها الى قرى زبقين والبازورية وخربة سلم وغيرها مما عدت أذكره. عززت نشاطات تلك المديريات المستحدثة هناك...
وكبركان ساكن كان مستسلماً لنوم عميق عاد فانفجر فجأة، فأصبحت تراه حركة دائمة كيفما توجهت انظارك حتى إذا ما توقف ليرتاح تناول قلمه ليملأ الزاوية التي اقتطعها في احدى دوريات الحزب بما يفعله الايمان حين يلتزم بالعقيدة الصحيحة...
وفي تلك الفترة التهبت منطقة الزهراني بالنشاط الحزبي وأمسى القوميون الاجتماعيون يشكلون قوة أساسية في جميع أنحائها مما دفعهم لمطالبته بخوض معركة الانتخابات ممثلاً لتلك الدائرة...
وهكذا انتقل الرفيق نزيه الاسعد من حليف الاقطاع الى متصدّ عنيد لمواجهته وقتاله.
استعرض اليوم تلك الصور والمشاهد فأتساءل ما الذي اعترى مسيرتنا الطاهرة وتعثرّت خطانا؟؟؟
وكيف لنا رغم كل ما نرى من أخطاء تكاد تودي بنا الى اليأس والانكفاء...
لا نزال نصرّ على رهاننا وعلى نصر لو شئنا ان نفرّ منه لما وجدنا الى ذلك سبيلاً...