خطر على بالي أن أسأل بعض القوميين الاجتماعيين، من أجيال مختلفة، عمّا إذا كان تاريخ 21 تموز يعني لهم شيئاً! لم يكن هدفي الاستعداد لـ"فوازير رمضان" أو امتحان ذكاء هؤلاء الرفقاء... وإنما هي مسألة غاية في الأهمية، ستتضح في سياق الكلام.
الغالبية العظمى اكتفت بتحريك اليدين والشفتين والعينين، مع هزات متلاحقة بالكتفين بما معناه "الله أعلم". آخرون رمقوني بنظرات التعجب والاستنكار لأني أضيّع لهم أوقاتهم الثمينة. وقلةٌ تُعد على أصابع اليد الواحدة أعادت ذلك التاريخ إلى أحداث وقعت في الكيان اللبناني. رفيقان فقط ربطا 21 تموز بالغزو الصهيوني في حزيران سنة 1982، عندما احتل العدو الإسرائيلي بيروت ونصّب بشير الجميّل رئيساً عميلاً.
21 تموز 1982 هو "يوم المقاومة اللبنانية". هذا ما أعلنه القوميون الاجتماعيون الذين كانوا رواد المقاومة، يوم تعرّت وجوه العملاء، وخسعت مفاصل القيادات، واصفرّت جباه الخونة، وارتجفت قلوب المتبجحين بالنضال والصمود. حفنةٌ من رفقاء تحدوا يهود الداخل، وقرروا إسقاط شعار "سلام الجليل" الذي رفعه السفاح الصهيوني أرييل شارون.
كان شارون منتشياً باحتلال العاصمة اللبنانية، ولم يتمالك عن التبجح بأن "الخطر على حدود إسرائيل الشمالية قد زال"! خدعته، ربما، رشات الأرز التي استقبلته في بعض القرى المحتلة. لكن القوميين الاجتماعيين لا يمكن أن يقبلوا بالأمر الواقع، خصوصاً إذا فرضه عدونا القومي وعملاؤه المحليون.
في وقت متأخر من ليلة 21 تموز 1982، كان عدد من الرفقاء يتحركون في الجنوب المحتل لينصبوا مجموعة من صواريخ الكاتيوشا قرب "الحدود". العدو المطمئن استيقظ على دوي انفجارات في المستعمرات اليهودية في الجليل الأعلى، فقد أصابت الصواريخ أهدافها بدقة. ومع ذلك لم تكن المستعمرات بحد ذاتها هي الغاية من هذه العملية، وإنما إسقاط نتائج الغزو الصهيوني عن طريق العمل المقاوم. فكانت تلك العملية البداية الرسمية لحركة المقاومة اللبنانية.
كنتُ خارج الوطن في تلك المرحلة. لكننا، مثل كل القوميين الاجتماعيين، كنا نحتفل بـ"يوم المقاومة اللبنانية" في 21 تموز لسنوات لاحقة. وفجأة توقف الاحتفال، وتوقفت معه أمور تتعلق بالعمل المقاوم. ولست الآن بصدد مناقشة الأسباب الكامنة وراء ذلك. غير أن طمس حدث على هذا المستوى الرفيع ذنب لا يُغتفر. فالذاكرة الحزبية والقومية يجب أن تُنزّه عن الغرضية الشخصية والفئوية التنظيمية.
إنها ذاكرتنا الحزبية... وذاكرتنا القومية في الوقت نفسه. ولعل الخلل الملحوظ في بنيتنا الإدارية والفكرية والمناقبية يعود في جزء كبير منه إلى الذاكرة المفقودة. فالذين يجهلون تاريخهم الصحيح سيعجزون حتى عن التطلع إلى المستقبل!
نحن نحتفل في 25 أيار من كل عام بعيد التحرير. لكن المطلوب أن ننقل إلى الأجيال الجديدة من القوميين الحقيقة المُعتّم عليها: لولا 21 تموز وأبطاله... لربما ما كان 25 أيار وأبطاله!