قلت: هذا صحيح
قالت(ل): ولكنك ذكرت فيما ذكرت، في مطلع حديثك، أن سعاده كتب قصة أخرى، غير قصة "عيد سيدة صيدنايا"؟
قلت: صحيح، القصة الأخرى هي قصة "فاجعة حب".
قالت(ل): ما رأيك أن تشرح لنا هذه القصة، فتظهر لنا الإتجاه التربوي القومي لسعاده، الذي قلتَ أنه أخص خصائص كتاباته.
قلتُ: بكل سرور، تجدر الملاحظة بادئ ذي بدء، أن سعاده وضع تحت عنوان هذه القصة، بيت شعر باللغة الإنكليزية، من إنشاء الشاعر والكاتب الإنكليزي المسرحي الشهير "شكسبير"، هذه هو بيت الشعر:
Some rise by sin, and some by virtue fall
ومعناه، أن بعض الناس يرتفعون عن طريق الخطايا والبعض الآخر يسقطون بسبب فضائلهم.
قالت(ل): وما قصد سعاده بذلك؟ أعني ما علاقة هذه الفكرة عن الناس بمضمون القصة؟
قلت: الأفضل أن نتريّث قليلاً، حتى إذا تمّ لنا شرح القصة، أمكننا بعد ذلك، أن نفهم العلاقة بين مضمونها، وتلك الحكمة الشكسبيرية.
قالت(ل): أوافقك الرأي. ما هي قصة "فاجعة حب"؟
قلت: القصة تدور حول صديق لسعاده، اسمه سليم، كان دارساُ للموسيقى، ومهتماً اهتماماً جدّياً بهذا الفن الرفيع. إليكِ وصف سعاده لميول سليم الموسيقية، يقول في ذلك ما يلي: " كان صديقي سليم مولعا بدراسة الموسيقى، وكنت أنتظر أن يخرج ناظما موسيقيا مجيدا، لما كنت أعهده فيه من شدة العواطف، وسلامة الذوق وقوة الشعور، وما كان عليه من سمو الإدراك وتعمق في الفهم". ثم يضيف فيقول: "كانت نفسه كبيرة، حتى كأنها تسع الكون، وكان يحب أن يرى شعبه، آخذاً قسطه من الموسيقى العالية، أي أنه كان يريد أن يرى في شعبه، موسيقى سامية، تستطيع أن تعبّر حقاً عمّا في القلب من شعور، وما في العقل من تأمّلات أدبية وفلسفية".[1]
تلاحظين أن سعاده، اهتم منذ البداية، بإظهار العلاقة بين سليم وشعبه، فكأني به يريد أن يعلّم القارئ، أن الفنّ، ليس للفن، بل هو مثل كل المبادئ، يجب أن يكون للشعوب، لتجميل حياتها الروحية والإرتقاء بمعنويات أبنائها وبناتها والسمو بمشاعرهم.
قالت(ل): هذا واضح جداً.
قلتً: ثم يصف سعاده نظرية صديقه في الموسيقى، فيقول أن حلقة من الأصحاب كانت مجتمعة عندما تطرق الحديث إلى الموسيقى، بعد جولات في شتى الفنون والعلوم، وقد انقسم المجتمعون إلى فريقين: فريق نافحٌ عن الموسيقى الشرقية، وفريقٌ دافع عن الموسيقى الغربية، ولما اشتد الجدل بين هذين الفريقين، ولم تظهر في الأفق نتيجة واضحة مفيدة، يقبل فيها الفريقان، قرر الفريقان أن يستفتيا سليماً في أمرهما، كونه خبيراً في نوعي الموسيقى الشرقي والغربي، ولأنه عُرف بمحبة الإنصاف والحقيقة، فسأل سليمٌ بهيجاً، الذي كان أحد المتمسكين بأفضلية الموسيقى الشرقية المحافظة، عن الغاية التي من أجلها وجدت الموسيقى، فكان جواب بهيج جازماً: إنها وُجِدت لتكون لغة العواطف. هنا قال سليم، أن جواب بهيج يجرّد الموسيقى من ثلثي الموسيقى على الأقل. ووقعت المفاجأة عند أربعة من الحاضرين، مما اضطر بهيجاً أن يسأل سليماً عن تحديده للموسيقى.
فذكر سليم الكلام الهام التالي، الذي يلخّص نظريته في الموسيقى، قال: إني أحددها بإطلاقها من كل تحديد. فإنك تستطيع أن تعرف الكثير من مزايا الموسيقى، ولكنك لا تتمكن من حصرها.
ليست الموسيقى لغة العواطف فحسب، بل هي لغة الفكر والفهم أيضاً. إنها لغة النفس الإنسانية بكل مظاهرها وبواطنها".
وتجدر الملاحظة، أن تحديد سليم للموسيقى على هذا النحو، قد جعلها شاملة العواطف والحالات النفسية على أنواعها، بالإضافة إلى الأصوات على إختلافها، والشعر والأدب والفلسفة. ثم تابع سليم كلامه، فرفض الإعتقاد السائد، الذي يقسم الموسيقى إلى قسمين: شرقي وغربي، حاصراً التمييز في الأساليب، وفي أصناف المعاني، فهناك أساليب تعبير ومعانٍ شرقية، وهناك أساليب تعبير ومعانٍ غربية. أما أساس الموسيقى فواحد. وهذا الأساس يتألف من العواطف والحالات النفسية، فمتى كانت الموسيقى الغربية تعبّر عن العواطف والحالات النفسية، التي تعبّر عنها الموسيقى الشرقية عينها، أمكن فهمها بسهولة وإن اختلف أسلوبها في التعبير.[2]
لقد كان سليم من المعتقدين بأن الطبيعة البشرية واحدة، في جميع الشعوب وإن تعددت الأمزجة، وأن العواطف هي واحدة أيضاً. فعواطف الحب والبغض، والرقة والقساوة، والسرور والحزن، والطرب والتأمل، واللهو والتفكير، والطموح والقناعة، كلها واحدة في جميع الأمم في الشرق والغرب، الفرق الوحيد، هو في مقدار تنبّه النفوس وارتقائها، وشدة شعورها أو خمولها، وانحطاطها وعدم شعورها[3]. فالقوم قد يكون لهم موسيقى ابتدائية، أو موسيقى راقية، وفقاً لدرجة ارتقاء نفوسهم. ومَثَلُ الموسيقى الابتدائية، تلك التي تعبّر عن العواطف المشتركة، بين الإنسان والحيوان، كالشهوات الجنسية، أما الموسيقى الراقية فهي موسيقى القوم الذين تحررت نفسيتهم من التقاليد الرجعية العتيقة، لذلك فهي تعبّر عن عواطف تسمو على الشهوات الجنسية، إذ لم يعد مطلبهم وصال الحبيب، بل صار مطلباً أعلى. ومثل ذلك بيتهوفن، الذي وضع موسيقى تدلّ على أنه كان يشعر بعواطف وآمال وأميال جميع البشر، حتى كأن نفسه تألّفت من كل النفوس. في سمفونيته السابعة مثلاً، أجاب على مدافع السفّاح نابليون بتيّار من الأنغام وتحوّل الى تيار من العواطف البشرية الطالبة الحرية، الثائرة على الظلم والاستبداد، وهو التيار الذي سيظل جارياً أبد الدهر. ثم هناك معزوفاته الأخرى، كسمفونيته الخامسة المعبّرة عن الصراع بين عوامل الفناء وعوامل البقاء، بين الموت والحياة، بين هذه بفتوّتها وذلك بهرمه. في خاتمة حديثه، عاد سليم إلى تكرار تحديده للموسيقى بقوله التالي، الذي خاطب به بهيجاّ:
"لا يا صاحبي، لم توجد الموسيقى لتكون لغة العواطف، الأولية، التي وقفت عندها الموسيقى التقليدية الشائعة بيننا، بل لغة النفس بكل ما فيها من عواطف وأفكار[4].
هنا سأل بهيجٌ سليماً عن رأيه بموسيقانا، فأجاب سليمٌ قائلاً:
"الحقيقة يا صديقي، أنه ليس لنا موسيقى تُعَدُّ نتاج نفسيتنا نحن السوريين، من حيث أننا قومٌ لنا مزايا خاصة بنا، أما الألحان الشائعة بيننا ليست، باستثناء ألحان شعبية معينة، مما نشأ من نفسيتنا، بل هي مزيج من نفسية أقوام مختلفة".
هذا بعض ما جاء في جواب سليم، غير أن بهيجاً لم يرضِه هذا الجواب، فوجّه إلى سليم التهمة الفكرية التالية، فقال: "إذن أنت تفضّل الموسيقى الغربية"، أجابه سليم مكرراً ما كان ذكره سابقاً، من أن التفضيل في الموسيقى غير وارد. ثم قدّم رأيه في الفرق بين موقفنا من الموسيقى وموقف أهل الغرب، فقال أن الشرقيين، بإستثناء الروسيين، قد تجمدوا عند الألحان الموضوعة، في حين أن الغربيين، أحدثوا في الموسيقى تطوراً خطيراً، عندما عدلوا عن الألحان، إلى الأصوات المفردة التي هي أساس الموسيقى، فرتّبوها حتى أصبح بإمكانهم أن يُدخلوا على الموسيقى، الأدب والشعر والفلسفة، فأظهروا بذلك مكنونات النفس الراقية. وأضاف سليم قائلاً: " وهذا ما يجب أن يحدث في سوريه، وفي كل قطر فيه شعب حيّ، في نفسيته وعقليته، إن التقاليد القديمة المستعارة، قيّدت نفوسنا بألحان محدودة ابتدائية، قد أصبحت حائلا بيننا وبين الإرتقاء النفسي. إن في فطرتنا ونفوسنا، شيئاً أسمى مما تعبّر عنه هذه الألحان الجامدة، شيئاّ أسمى من الشهوات، أو العواطف الأولية. إن في نفوسنا فكراً عاطفياً وفهماً عاطفياً، يتناولان التأملات العميقة في الحياة، والرغبة الشديدة في تحسينها، من وجوه متعددة: إجتماعي، قومي، روحي، إنساني، ويدفعاننا نحو مطلب أعلى أليَق بحياتنا، يحتاج تحقيقه إلى أنواع من الموسيقى، غير الألحان المستعارة الموضوعة لحالة، أو حالات نفسية محدودة معيّنة، كحالة الحزن، أو حالة التدلّه في الغرام، فإن نغماً وُضِع لحالة من هذا النوع، لا يصح أن يُستعمل في حالةٍ أخرى، تختلف عنها كل الإختلاف، كحالة غضب النفس وثورتها، على الإستبداد والظلم، أو حالة التأمّل.."[5]
وتجدر الملاحظة أن سعاده وافق سليماً على كل ما قال. وقد اتخذ من حكم سليم في الموسيقى، حكماً في الأدب، فذكر كيف أن شعراءنا، يحدون العيس في منظوماتهم مقلِّدين لأن حدي العيس ليس من شؤون شعبهم، ولا من مظاهر تمدنهم. ثم كيف يكتب كتّابنا في الغبراء والبطحاء وبلادهم جبلية خضراء، وعلّق سعاده على ذلك بقوله: "إن التقليد قد أعمى بصائرهم عن الحقيقة". ثم عبّر عن أمله في نشؤ نهضة أدبية، في المستقبل بقوله التالي:
"وإني لأعتقدُ أنه لا بد من القيام بجهود جبارة، قبل أن تصبح النهضة الأدبية، معبّرة عن حياتنا القومية، ولكني موقن بأنه سيجيء اليوم، الذي يتحقق فيه ذلك، وتصير النفسية والعقلية السوريتان الغنيتان بمواهبهما الطبيعية، مُعينين ينهل منهما الأدباء وأهل الفنون، والعلماء والفلاسفة، الذين يخرجون من صميم الشعب السوري"[6].
أما بالنسبة لرأيه العمومي في حديث صديقه سليم، فإن سعاده يقول أن ذلك الحديث، يوضح روح التجديد التي ملأت حياة سليم، وتناولت عصراً وأمة، ويضيف قائلاً، إن سليماً ابتدأ ينظّم سمفونية عن إنتهاء عهد الخمول وبزوغ شمس نهضة الشعب السوري، لأن سليماً كان يعتقد اعتقاداً قوياً، أن نهضة أمته ضرورية للتمدن، وذلك لمزاياها السامية التي منها الحرية والسلام والمحبة.
وعن سليم أيضا يذكر سعاده أنه كان يعتبر أن الفورات السياسية أمراً تافهاً، إذ كان يؤكد أن التجديد القومي، يجب أن يرتكز على نفسية متينة مثبتة في قلب كل فرد، سواء كان رجلا أو إمرأة، وإن ذلك يتطلب أدباً حياً وفناً موسيقياً، يوحّد العواطف ويجمعها، حول مطلب أعلى، حينئذ يصبح الجهاد السياسي منتجاً.
سعاده يوافق سليما على أفكاره، في التجديد والنهوض، ويعتبرها قريبة من نظرية الإجتماعيين المهتمين بشؤون الشعوب، الذين يرون أن حياة النفس أساس كل الحريات، وأن الحياة الحرة في العقل، متقدمة على الإعتبارات السياسية.[7]
قالت(ل): هل انتهت القصة؟ عرفتُ أن القصة عنوانها "فاجعة حب". أين الحب وأين الفاجعة؟
قلتُ: كان سليم يحب فتاةً إسمها دعد. وكانت دعد تحب سليماً. لكن الذي حصل هو أن غياب والدها في أميركا، جعل أمها السيدة سلمى، تعتمدُ على عائلة صديقة للبتّ في العلاقة بين سليم ودعد. هذه العائلة الصديقة، مثّلت العقلية الرجعية في شعبنا، لذلك كانت مصدر آلام ومتاعب لسليم.
قالت(ل): أنتَ لم تشفِ غليلي. ما هي المتاعب والآلام التي أصابت سليماً؟ بالله عليك قصّ عليّ تفاصيل ذلك الحب، الذي صار فاجعة.
قلتُ: القصة طويلة، لكن واجبي يقتضي أن أذكر لك بعض الأمثلة.
لنقرأ مثلاً الرسالة التالية التي تسلمها سليم من دعد، بعد أن خضعتْ لضغوط العقلية الرجعية. تقول دعد في رسالتها:
صديقي العزيز،
أخشى أن يكون الليل، الذي لا صبح له قد أقبل، فإني أكتبُ إليكَ هذه الكلمات القليلة، لأسألك أن لا تأتي إلينا بعد اليوم، وهذا خيرٌ لك ولي. ثق بأني قد فكّرتُ مليّاُ قبل أن أقدمتَ على هذا السؤال. وإذا كان لي في قلبك شيء من الإحترام، فاحسبني صديقة ميتة. لا تكتب ولا تجتهد في أن تراني، واعلم أن أحد هذين الأمرين يسبّب لي آلاماّ شديدة. أستودعك الله، وإياه أسأل أن يشجعك ويمدك بالصبر في حياتك.
"صديقتك" [8]
قالت(ل): إنها مجرمة.
قلت: لا تتعجلي بالحكم. المجرمون هم الرجعيون الذين يقاومون عواطف وأفكار الأجيال الجديدة. الرجعيون الذين يكبّلون العقل والقلب، بالتقاليد الرثّة، فيقتلون كل أسباب التحرر والتقدم والنهوض.
قالت(ل): لو كنتُ مكانها لتمردت.
قلت: لا تنسي أن زمانها غير زمانك.
قالت(ل): وماذا حصل بعد ذلك؟
قلت: يكفي أن أذكر لكِ رد فعل سليم، بعد أن تسلم تلك الرسالة وقرأ مضمونها. رد فعله نقع عليه، في حوار جرى بينه وبين كاتب القصة، عندما حاول أن يستطلع منه عن سبب أوجاعه وملازمته الفراش لغير مرض، قال سليم:
"إنّ آلاماً عظيمة، آلامٌ لم يسبق لها مثيل، تنتظر كل نفس كبيرة فينا، إذ ليس على الواحد منا أن ينكر ذاته فحسب، بل عليه أن يسير وحيداً بلا أمل ولا عزاء، لأن حياتنا الروحية والإجتماعية فاسدة"، إلى أن يقول:
" ليس لإبن النور صديق بين أبناء الظلمة، وبقدر ما يبذل لهم من المحبة، يبذلون له من البغض".[9]
قالت(ل): وماذا حصل بعد ذلك؟
قلت: كان لقاء بين العائلة الصديقة لأم دعد وبين سليم حصل فيه استجواب لسليم، عن إمكانياته ومعارفه، وكانت النتيجة أن فاه السيد (ج) الذي أجرى اللقاء بالقرار التالي:
"الذي أراه يا سيد سليم، أن مركزكم لا يضمن مستقبل الفتاة التي تريدونها زوجاً لكم"، وقالت زوجة (ج): "إن الفن ليس عملاً ثابتا كالوظيفة، أو أكيداً كالتجارة"[10].
قالت(ل): ماذا حصل بعد ذلك؟
قلتُ: كنت ذكرت أن سليماً كان ابتدأ بوضع سمفونية، ولكن مصابه في قلبه قد أخّره كثيراُ، حتى أنه ظل طريح الفراش، وراح جسمه ينحل شيئاً فشيئاً، لكنه ترك بعض من شعر منثور، هذا نصه:
إذا انبثق الفجر وبزغت الغزالة
وفتحتِ عينيكِ للنور
ورأيتِ الأزهار تنشقُّ عن أكمامها
وتنشرُ في الفضاء عبقَ أريجها
فاذكري زمناً كان لنا ربيعه
إذ نركض ونقفز وفي قلوبنا اختلاج
لقد مضى ذيّاك الربيع
وهذا الربيع ليس لنا
فأزهاره غير أزهار ربيعنا
وفجره غير فجرنا
أما المرح والددن فشيء كان
لا، لا تذكري شيئاً مما مضى
لا تنّبهي الأحلام،
الحبّ وهمٌ، هكذا يقولون
فإذا اضمحلّ الحب، فماذا يبقى من الحقيقة؟
حبّ يذهب مع المساء، وآخر يجيء مع الصباح
فيجب أن لا يقام للحبّ عهد؟
هكذا يقول الجاهلون،
لأنهم لا يعرفون أن في الحب الجديد،
بقية مُرّة من الحب القديم،
اللهم، إلا إذا كان القلب حجراً
والجسم طيناً،
فحينذاك لا فرق بين حبّ قديم
وحبّ جديد". [11]
قالت(ل): ماذا حصل بعد ذلك؟
قلت: اقترح كاتب القصة على سليم، أن يستبدل الإقليم، ويطلب الراحة بعد أن شاهد ما شاهد من تدهور صحته الجسدية، فأجابه سليم قائلاً: المسألة ليست مسألة جسم، بل مسألة نفس، وإن النفس تحيا بالعواطف وتموت بموتها.
ثم أضاف الفكرة الهامة التالية قائلاً:
"ولا يقتصر ذلك على الأفراد، بل يتناول الأمم أيضا. فإذا عدمت الأمة الشعور الحي، فكأنها عدمت وجودها. والشعب الذي يقتل شعور بنيه، يقتلهم قتلاً".[12]
قالت(ل): وماذا حصل بعد ذلك؟
قلت: بعد ذلك يذكر كاتب القصة، الذي هو سعاده نفسه، أنه بينما كان ذات مرة يتفقد حالة صديقه سليم، تسلم رسالة قرأ فيها ما يلي:
"أكتب إليك الآن، من هذه المدينة التي أرسلت إليها، بقصد إبعادي عنك، لكي اسألك الصفح عن الإساءة العظيمة التي وجهتها إليك في كتابي الأخير، فقد بلغني ما تكابده الآن، رغم أن أهلي، والدائرة المحيطة بي، يحاولون جهدهم لمنعي تنسّم أخبارك ومعرفة ما هو جارٍ لك. آه لو تدري كم عانيت من آلام بسبب الكتاب الذي اضطررت إلى إرساله إليك، وكم أعاني الآن، من أجل ما أنت فيه."
وفي المقطع الأخير من الرسالة، قرأ سعاده ما يلي:
"سليمي العزيز، اصفح عني لما أكون قد سببتُه من الآلام، وثق بأني لم أقصد شيئا من ذلك، وأن كل قصدي كان، أن أحول دون حدوث ما قد حدث، وأن أتحمل الآلام وحدي، لأني أعلم كم تحتاج إلى راحة البال في عملك الشاق. تشجّع، فقريباً أكون قريبة منك. أما الآن فلك سلام مُحِبتك"
"دعد".
قالت(ل): وماذا حصل بعد ذلك، هل اطلع سليم على الرسالة؟
قلتُ : كان سليم قد مات.
[1] أنطون سعاده، الآثار الكاملة،1، أدب بيروت، 1960، ص 141
[2] المرجع السابق ص 143
[3] المرجع السابق ص 143
[4] المرجع السابق ص 144
[5] المرجع السابق ض 145-146
[6] المرجع السابق ص 146
[7] المرجع السابق ص 147
[8] المرجع السابق ص 156
[9] المرجع السابق ص 155-156
[10] المرجع السابق ص 162
[11] المرجع السابق ص 168-169
[12] المرجع السابق ص 170