أن يختار أنطون سعاده جوليات التي أسماها ضياء حبيبة وزوجة ورفيقة يكفي ذلك لتكون شخصيتها موضوع نقاش وتقييم.
أن تختار جوليات أنطون سعاده حبيباً وزوجاً وزعيماً وترضى يأن يدعوها بضياء يكفي لنقول أن شخصيتها نسيج ذاتها،لا تقبل التشبيه والتشبُه .
لم يكن أنطون سعاده من الذين يرفضون الزواج ولا من الذين يسعون إليه، لذلك عندما وجد الفرصة المتاحة أقدم دون تردد.
من يقرأ رأي أنطون سعاده في الحب يقول أنه من الصعب أن يجد حبيبة.
يقول سعاده:
متى وجد الانسان الحب فقد وجد أساس الحياة والقوة التي ينتصر بها على كل عدو.
الحب الذي إذا قرب فماً إلى فم سكب نفساً في نفس، وكل واحدة تقول للأخرى: إني معك في النصر والاستشهاد من أجل ما تأبه نفسنا إليه، ولا تستعظمان أمراً ولا تضحية يكون بهما بلوغه والإحتفاظ به.
ومن يقرأ رأيه في مؤسسة العائلة والزواج يعتبر أنه من المستحيل أن يقدم على تنفيذ هذه الخطوة, يقول سعاده :
الزواج انعتاق من الوحدة لتحقيق وحدة الحياة.
الزواج تعانق روحين وتناغم قلبين، برباط المحبة الجاهز أبدا للعطاء الأتم والولاء الأسمى
أما رأيه بعلاقة الحب بالزواج فهذا مسألة أخرى، يقول سعاده:
لولا الحب لما كان لأي تفاهم قيمة. الحب هو الرابطة الأساسية لا الزواج، الزواج يكمل الحب، ولا يكمل الحب الزواج، الحب قضية جمال الحياة كلها واشتراك النفوس في هذا الجمال.
أية امرأة تلك التي تجرّأت أن تقتحم عالم أنطون سعاده، وأية امرأة تلكك التي فتنت أنطون سعاده ورأى فيها هذه الشروط التعجيزية في الحب والزواج وعلاقتهما ببعضهما.
كنت دائما أسأل نفسي:
ما الذي أعجب ضياء بأنطون سعاده وما الذي أعجب أنطون سعاده بضياء.
شكّل أنطون سعاده مركز اهتمام في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية منذ كتب مقالته الأولى حتى كتاب هذه المقالة وسيستمر طيلة القرون الآتية، أما حياة ضياء التي اختارت أنطون حبيباً وزوجاً وزعيماً، كانت مغمورة، يمكن لأن خطف الأضواء زوجها فكانت صمتاً في كنفه، أو أن حياتها تعرضت للتعتيم والاستهتار من قبل أولئك الذين كان عليهم إنصافها .
أنا شخصياً أرجّح السبب الثاني، لأن من حاول التعتيم على سعاده من الطبيعي أن يحاول إبعاد ضياء حبيبة سعاده وزوجته عن الأضواء.
عندما التقت جوليات بأنطون لأول مرة، خفق قلبها، وهدأت روحها، وبدأت التحليق في أجواء قصة حب لا تشبه تلك القصص التي حفظها التاريخ، وتلك التي دوّنت في الروايات والمسرحيات المحلية والأقليمية والعالمية.
أدركت جوليات أنها مُقبلة على حياكة قصة ليست من الخيال ولا تشبه الواقع، ورَاودَها إحساس داخلي أنها أمام رجل ليس فتى الأحلام، ولا عاشق هبط من السماء، أنها أمام روح دخلت الى روحها دون استئذان.
تقرأ في وجنتيه خرائط َلزمن يرسمه بمدى عينيه، وتقرأ في ابتسامته أملا يزرعه في حقول مشتاقة للأخضر وألوان الربيع الزاهية، تراه فيهمد القلق، ويختفي الشغف وتذهب روحها مع روحه الى حيث يرسمان تفاصيل الزمن التالي.
هي صمت أبلغ من الكلام، تتسلل معانيه اليه عبر إشارات تطلقها حركات حواسها أحياناً وذبذبات روحها أحياناً أخرى، وتستقر في خزّان مشاعره كإستقرار ربيع الفصول وسط امتداد السنة.
هي ليست شريكته، وليست سنده في الظروف الصعبة وفرحه في الأيام الجميلة، هي ليست المرأة خلف كل رجل عظيم، هي ضياء، هي ضياؤه القاطف لفضائل النهار والطارد لباطل العتمة.
وأنت تقرأ ضياء في مذكراتها تأخذك الى أنطون، تكتب صفحة عن ضياء وصفحات عن أنطون، هي لا تنسى تفاصيل العمر التي جمعتها بأنطون، ففي ذاكرتها مطبوعة التفاصيل الصغيرة والكبيرة، وعندما تتحدث عنه تخالها تتحدث عن نفسها.
لم تكن تتحدث عن أنطون لأحد، كانت تعرف أن الخصوصية التي تجمعها فيه لا تقبل الشرح أو التوضيح ولا حتى ال