ولّدَ النظامُ السياسيُّ في لبنان، منذُ نشأته وحتى يومِنا هذا، كوارِثَ ومآسٍ عديدةً عانى ولا زال يعاني منها اللبنانيون، كما نتجَ عنه أزماتٌ ومشكلاتٌ متفاقمةٌ ومزمنةٌ تهددُ وجودَ هذا الكيانِ ومستقبلَه. وفي طليعةِ هذه المشكلاتِ تبرزُ الطائفية - هذا المرضُ السرطانيُّ القاتلُ الذي ينخُرُ في بُنى المجتمعِ ويعطِّلُ وَحْدَتَه، والذي يُعشعِشُ في عقولِ البعضِ من أبناءِ شعبِنا في لبنان ويدفَعُهُم إلى التعصبِ والحقدِ والانعزالِ والتقوقع، وإلى الانخراطِ في نزاعاتٍ سياسيةٍ وحروبٍ مدمِّرةٍ تُمارَسُ خلالَها العنصرية وتُرتكب المجازر الطائفية البشعة. ومع داءِ الطائفيةِ تبرُزُ مشكلةُ الفسادِ المستشري على كلِّ المستوياتِ وبكلِ أنواعِهِ وأشكالِه ومظاهرِهْ، متجلياً بأبشعِ صُوَرِهِ في المحاصصةِ الطائفيةِ ونهبِ خزينةِ الدولةِ وسَرِقَةِ المالِ العامِ والهدرِ والصفقاتِ المشبوهةِ والمافياتِ وغيرِها من الأفعالِ المشينةِ التي يقومُ بها الحكامُ الفاسدونَ النفعيونَ والمحمِيّونَ بالقانونِ والمرجعياتِ الدينية.
لن نطيلَ الحديثَ عن لبنانِ الديمقراطيةِ الكاذبة ولبنانِ المزرعةِ المسيَّجةِ بأسوارِ الطائفيةِ والإقطاعيةِ والإنعزالية، والمحروسةِ بشياطينِ الفسادِ والإفسادِ الذين يستبيحون البلادَ بجرائمِهِم، بل نكتفي بالقولِ إننا، كحزبٍ سوريٍ قوميٍ اجتماعي، لنا نظرتُنا لهذا الكيانِ ولميثاقِهِ الطائفيّ ولنظامِه الفاسدِ ولدولتِهِ التي تأسّست على الحزبيةِ الدينيةِ المجرمة.
يقول سعاده: "إنّ لبنانَ يَهْلِكُ بالحزبيةِ الدينيةِ ويحيا بالإخاءِ القومي". وهذا ما أثبتته الحربُ الأهليةُ في لبنانَ وما تلاها من أحداثٍ ونزاعات.
لقد أثبتَ القوميونَ الاجتماعيون بوقفاتِهم المشرِّفةِ خلالَ مراحلَ ومحطاتٍ عديدةٍ من تاريخِ هذا الكيان، صِدْقَ قولِ سعاده "إنّ القوميين الاجتماعيين اللبنانيين هم أشدُ الناسِ حِرصاً على لبنان.."، لأنهم أثبتوا بالفعلِ حِرصَهُم على هذا الكيان الذي أرادوه معقلاً للفكرِ الحرِ والإبداعِ ونطاقَ ضمانٍ للإشعاعِ الفكريِّ وانطلاقِه. فلقد عانوا من الاضطهادِ والسجونِ وبذلوا النفيسَ وقدّموا الدماءَ في سبيلِ خيرِ أبناءِ شعبِنا في لبنان ودفاعاً عن سيادةِ هذا الكيانِ واستقلالِهِ وحمايتِه من كل من تربّصَ به من أعداءَ وطامعين.
والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَهُ هو: ما هي إمكانيةُ التغييرِ لما هو قائمٌ في لبنان؟ هل يحصلُ التغييرُ بالحوارِ أو عبرَ الانتخاباتِ أو بحراكٍ شعبيٍ أو ثورةٍ شعبية؟
نحن حزبُ عقيدةٍ وإصلاح، ونرى أن الأملَ بالتغييرِ هو في إجراءِ إصلاحاتٍ فعليةٍ جذرية، وفي اعتمادِ قوانينَ عصريةٍ وتشريعاتٍ مدنيةٍ تُنقِذُ لبنانَ من الفوضى والـخراب، وتكفلُ حقوقَ المواطنين. والإصلاحُ الفعليُ لا يكونُ في النصوصِ والقوانينِ فقط بل يأتي نتيجةَ عقيدةٍ صحيحةٍ موّحِدةٍ للشعب "تنشئ جيلاً جديداً ونظاماً جديداً وجمالاً جديداً".
إن مبادئَنا الإصلاحيةَ القائمةَ على دعائمِ المناقبِ والأخلاقِ هي الإصلاحُ الحقيقيُ الذي يؤسسُ لبناءِ الدولةِ الديمقراطيةِ الحديثةِ على قواعدَ صلبةٍ وعلى مبدأ الديمقراطيةِ الصحيحة. وهذا يستوجبُ اعتمادَ قانونٍ انتخابي عصريٍ يعتمدُ لبنانَ دائرةً واحدةً على قاعدةِ النسبيةِ ويأتي بممثلينَ حقيقيين يعبّرونَ عن إرادةِ أبناءِ شعبِنا في لبنان، ويحققونَ مطامحَهم. كما يستوجبُ اعتمادَ تشريعٍ وقضاءٍ مدنيين يتساوى امامهُما جميعُ المواطنينَ في أحوالِهِم الشخصيةِ وحقوقِهِم العامة.
المطلوب هو الإصلاح الحقيقي الذي يأتي بالأُسسَ الواضحةَ لبناءِ الدولةِ الديمقراطيةِ ويقود إلى توحيد الشعبَ على أساسِ الإنتماءِ لمجتمعٍ واحدٍ.. وإحدى أدوات التغيير هي إيجادِ المؤسساتِ اللاطائفيةِ التي تُربّي الأجيالَ الصاعدةَ وترعاها فتغرسُ فيها قيم الأخاءِ القوميِّ والولاءِ للوطنِ والدفاعِ عنه.
ما نحتاج إليه هو حركةَ نهوضٍ للمجتمعِ بِأكملِه.. حركة تعلن الحرب على الفسادِ والفوضى والغشِ والحزبياتِ الدينيةِ والتشكيلاتِ السياسيةِ القائمةِ على القضايا الخصوصيةِ الفاسدةِ والعقائدِ الزائفةِ والمبادىءِ اللاقوميةِ المُنتحَلَةِ وعلى خدمةِ المصالحِ الأجنبيةِ المرتبطةِ بها...
ما أحوجنا اليوم إلى رجال الإصلاح الحقيقي.. إلى المصلحين بالأفكار الصالحة وبالأعمال البناءة.
ما أحوجنا اليوم إلى المصلحين الصادقين الذين يسعون بأفكارهم الصالحة لخير المجتمع ورفاهيته وتقدمه..
ما أحوجنا اليوم إلى عقيدة الإنقاذ التي جاء بها رائد الإصلاح الإجتماعي والسياسي والإقتصادي الذي أطلق حركة إصلاحية فعلية سعت إلى تطهير المجتمع من الفساد والفوضى والمثالب وأرست أسس الدولة العصرية الديمقراطية العلمانية.
ما أحوجنا اليوم إلى أنطون سعاده.