يتصاعد الكلام على التحديث والتجديد والتطوير ومواكبة العلم ومجاراة العصر وإخضاع العقيدة القومية الاجتماعية والعقائد والنظريات والأفكار كلها للعِلم وأحكامِه ومكتشفاته الجديدة.
إننا نرى أن لهذا الموضوع وهذا الكلام وجهين:
الأول هو وجه الحق والصواب لأن العقيدة القومية الاجتماعية كلها قد تأسست على العلم ( يقول سعاده عن كتاب نشوء الامم أنه الأساس العلمي للعقيدة)، ومن الطبيعي أن تستمر هذه العقيدة في مواكبة العلوم وإضاءاتها الجديدة خاصة علوم الإجتماع والإقتصاد والإدارة والسياسة وغيرها، وتبقى منسجمة ومتوافقة معها. ومن الطبيعي أن تستمر العقيدة في التكيّف مع هذه العلوم وتقديماتها الجديدة، اذا ما احتاجت لهذا التكيّف، أي إذا ما حدث تغيير معين أو انقلاب معين في المعطيات العلمية التي تأسست العقيدة عليها.
عندما يقول سعاده: "وبعد درس أولي منظم قررت أن فقدان السيادة القومية هو السبب الأول في ما حل بأمتي وفي ما يحل بها. وهذا كان فاتحة عهد درسي المسألة القومية ومسألة الجماعات عموماً والحقوق الاجتماعية وكيفية نشوئها... ولما كانت دروسي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قد أوصلتني الى تعيين أمتي تعييناً مضبوطاً بالعلوم المتقدمة وغيرها، وهو حجر الأساس للبناء القومي.... الخ"،عند ذلك يصبح الكلام على ضرورة إبقاء العقيدة مرافقة للعلم وتطوراته ومستجداته كلاماً صحيحاً وصائباً مئة بالمئة. وكي لا يبق الكلام كلاماً، وما أهين من الكلام، ينبغي على أصحاب كلام التجديد والتحديث تبيان وتقديم معطيات علمية جديدة تخالف المعطيات العلمية القديمة التي كان سعاده قد استعملها، ينبغي عليهم القول: هذا ما نرى أنه قد استجد علمياً، وبالتالي ما بُنيَ من العقيدة على المعطيات القديمة، وهو كذا وكذا، يجب تعديله ليصبح كذا وكذا ويتوافق مع المعطيات الجديدة. عند ذلك، وعند ذلك فقط، يجب على المؤسسات الثقافية والفكرية المختصة في الحزب أن تبادر بكل جرأة ومسؤولية الى لعب دورها الثقافي والبت في هذه القضية والوصول الى نتيجة واضحة وجلية. وهناك في تاريخ الحزب سابقة في هذا الشأن حيث أن سعاده قد عدّل الحدود الشرقية للوطن السوري وعلّل ذلك باستكمال درسه وتحقيقه (المحاضرة الخامسة- الأعمال الكاملة، ج 8، صفحة 70).
هذا عن الوجه الأول الذي قلنا عنه أنه وجه حق وصواب، أما الوجه الثاني فيتبدى عندما يكون القائلون بضرورة التحديث والتجديد في العقيدة يفترضون افتراضاً أن العلوم قد تغيرت ويستنتجون بالتالي أن على العقيدة أن تتغير ألآن. هؤلاء يجعلون من أفتراضاتهم حقائق دون أن يكونوا هم أهل علم ودون أن يقدموا أية قضية علمية ويبرهنوا أنها فعلاً قد تغيرت. هؤلاء هم مستعجلون ويظنون أن العلوم والمعارف الإنسانية هي كالموضة تتغير موسمياً وسريعاً، ويظنون أيضاً أن العقائد هي صناعة بسيطة سهلة في متناول العقل العادي ومتناول الجميع.
هؤلاء كأنهم لا يعرفون أن العلوم لا يلغي جديدُها قديمَها بل أنها تتراكم وتزداد، وجديدُها يؤكد قديمَها ويُبنى عليه، وأن العقائد، مثل العلوم، لا تتغير ولا تتطور فجأة بين ليلة وضحاها بل إنها مسألة أجيال وعهود وآماد بعيدة.
هؤلاء المستعجلون كأنهم يريدون أن يقولوا لنا أنهم هم ذوو عقل نقدي راجح عارف عالِم جريء وأنهم مؤهلون لتناول نصوص العلماء والفلاسفة ومبادئِهم بعقلهم النقدي لتقييمها والحكم فيها وعليها، بالرغم من أنهم في نزعتهم التغييرية اللجوجة هذه لم يقدموا أقتراحاً واحداً أو مثلاً واحداً عما يجب أن يتطور ويتغير في العقيدة. إن هذا النوع من المحدِثين المجدّدين لا نتيجة لنزعتهم وأحكامهم التعميمية سوى زرع الشك في المبادئ الأساسية وأفكار ونصوص الفلاسفة العظماء وتهديم الإيمان واليقين العقلي والنفسي والوجداني للمؤمنين بها. وكل ذلك تحت ستار الكلام الحق بأن العلوم متحركة متطورة وأن العقيدة التي أساسها علم يجب بالتالي أن تكون متحركة ومتطورة. وهذا الستار يجب أن نقف عنده لتوضيحه كي لا يتحول الحق الذي يتضمنه الى باطل. وهذا هو توضيحنا كالتالي:
إن العلوم تتطور، والتطور يعني تغييراً، هذا صحيح، لكن الذي يتطور ويتغير في العلوم ليس مبادؤها وحقائقها وقوانينها الأساسية، بل إن الذي يتطور ويتغير فيها هو تطبيقاتها في الحياة والفن الذي يجعل الانسان يستفيد منها ويسخرها لخدمته. إن أكثر العلماء تطرفاً في نزعة التطور والتغيير، حتى في الحقائق والمبادئ الأساسية، يقولون بالتطور والتغير بمعنى الإزدياد والتراكم وليس بمعنى النقض والتبديل. إن العلوم تتطوّر بمعنى أنها تزداد وتتراكم وجديدها يبنى على قديمها ويؤكده ويضاف إليه، وعندما نسمّي ذلك تطوراً وتغيراً لا يجب أن يعني ذلك تبدلاً وتغيراً في الحقائق- المبادئ- القوانين الأساسية بذاتها. وإليك هذا المثل:
إن قانون أرخميدس في علم الفيزياء هو ثابت لا يتغير ولا يتبدل ولا يتطور: إن أية مادة عندما تكون أثقل من كمية السائل التي تماثل حجمها، تغرق في هذا السائل، وعندما تكون المادة أخف وزناً من كمية السائل التي تماثل حجمها، تعوم. هذا القانون- المبدأ- الحقيقة هو ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تتطور، وهذا هو ما نسميه ناموس، أما تطبيقات هذا القانون- المبدأ- الحقيقة مع مبدأ الجاذبية وضغط الهواء وغيرهما مما يعرفه أهل الإختصاص على صناعة المواصلات البحرية، هو الذي يتغير ويتبدل ويتطور من مستوى صناعة المراكب الشراعية الى مستوى السفن التجارية والسياحية العملاقة والغواصات والصواريخ التي تطلق من أعماق المياه.
و قانون بيتاغورس في الرياضيات والهندسة هو ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تتطور، أما تطبيقاته في مجال العمران والبناء فهو الذي يتطور من مستوى البناء البدائي على اعمدة مستقيمة الى مستوى الأبراج الحلزونية العملاقة والجسور المعلقة وناطحات السحاب الملتوية وغيرها.
هذه أمثلة من العلوم المادية، أما العلوم الاجتماعية الأقل إجماعاً على حقائقها العلمية فلم يدّعِ احدٌ أنه قد نقض شيئاً منها مما استند اليه سعاده في إنشاء عقيدته، فلا يزال توزّع الأرض الى بيئات هو السبب الأول في توزّع البشر الأولين الى جماعات، ولا يزال العالم اليوم واقع مجتمعات وأمم وقوميات الى أمد غير محدد، وأن انتماء الفرد الى هذا المجتمع أو ذاك لا يحصل إلا بالإشتراك الفعلي في الحياة الاجتماعية الاقتصادية النفسية لذلك المجتمع، ولا يزال المجتمع، أي مجتمع على الاطلاق، مزيجاً سلالياً عرقياً دموياً متفاعلاً موحداً في الحياة في جميع مصالح الحياة المادية والنفسية، أكان دليل السلالة هو شكل الجمجمة أو لون العينين أو غير ذلك.
النتيجة هي أنه يجب التمييز بين شيئين إثنين هما المبادئ العلمية من جهة ثم تطبيقات هذه المبادئ في الحياة من جهة أخرى. المبادئ العلمية هي قوانين وحقائق ثابتة ونقاط انطلاق أساسية صلبة لتطبيقات على الحياة تتطور وتتبدل وتتغير باستمرار. وهكذا العقائد التي أساسها علم مثل العقيدة القومية الاجتماعية، إنها هي أيضاً قواعد إنطلاق أساسية صلبة ثابتة طالما أساسها العلمي هو صلب وثابت. إن مبدأ "سورية للسوريين والسوريون أمة تامة" هو مبدأ أساسي ثابت لا يخضع للتغيير والتبديل والتطوير. الذي يخضع للتغيير والتبديل والتطوير هو تطبيقاتنا نحن لهذا المبدأ في الحياة، أي أعمالنا وأساليبنا وطرق وأدوات جهادِنا في مسيرة كفاحنا وصراعنا لتحقيق وتطبيق هذا المبدأ الأساسي المقدس الذي نحن نموت وهو لا يموت.
ولكي نكون منصفين مع من ننتقدهم من أصحاب نزعة التجديد والتغيير التعميمية دون تقديم أية قضية علمية والبرهان أن مبادئها قد تغيرت، فان بعضهم قد أثار مسألة السلالات ودليل السلالة الرأسي، أي قياس الجمجمة مستطيلة أو مفلطحة أو متوسطة، التي ذكرها سعاده في كتاب نشوء الأمم. هذا البعض قد ظن أنه قبض على سعاده بالجرم المشهود وزعم أن سعاده كان لا يزال يؤمن ويقول بشكل الجماجم وأقيستها، وهذا شيء تخطاه العلم، إذن عقيدة سعاده قد تخطاها العلم. والغريب أن أصحاب هذا الظن يحملون ألقاب دكاترة وبحّاثة وأساتذة، والأغرب أن القابهم ورتبهم العلمية لم تسعفهم لمعرفة شيئ بديهي هو: إن كتاب نشؤء الأمم ليس هو الكتاب الذي يشرح فيه سعاده عقيدته وأفكاره بل هو كتابه العلمي الذي أسند حقائقه الى مصادرها الأصلية. فما ذكره سعاده في فصل السلائل البشرية، وتحت عنوان الفوارق السلالية، لا يمثل رأي سعاده واعتقاده هو بل كان ينقله عن مصادره الأصلية التي هي علماء الإتنولوجيا والإنتروبولوجيا الذين عاصرهم، وهم بالتحديد "هدن" و"تايلر" و"هرتس". فسعاده يقول مثلاً:
"لا يعتمد الانتروبولوجيون العصريون في تقسيم النوع الانساني على ظاهرة واحدة فقط بل على عدة صفات فيزيائية أولها وأهمها مساحة الجمجمة وحجمها، وقد أعتمد هدن في ذلك على فوارق الشعر ولون البشرة والقامة وشكل الرأس وأوصاف الوجه والانف والعينين. وعلى ما يشبه ذلك جرى غريفث تايلر في تقسيمه ووصفه الجماعات البشرية الا أنه يعتمد على الدليل الراسي أولاً ... وجمهور علماء الانتروبولوجيا يعتمدون الدليل الرأسي فارقا ثابتا في السلالات"( نشوء الأمم، الأعمال الكاملة، الجزء الثالث، صفحة 22).
وعندما يذكر هدن وتايلر يذكر رقم الصفحة في كتاب كل منهما. إن سعاده أو أي واحد منّا يمكن له أن يوافق أو لا يوافق على دليل السلالة الرأسي، ولكن هذه المسألة هي مسألة علمية ليست خاضعة لرأيي ورأيك ورأيه، فضلاً عن أنها ليست هي بذاتها القضية التي تهمّ سعاده. إن قضية سعاده هي أمر آخر تماماً، إن قضيته هي هل نحن سلالة عرقية ودموية واحدة أم نحن مجتمع واحد موحد في الحياة مؤلف من مزيج متعدد السلالات؟
إن سعاده في فصل السلائل البشرية في كتابه العلمي "نشوء الأمم" كان يتابع منهج الإستقراء العلمي والتسلسل الموضوعي المنطقي الذي بدأ من نقطة نشؤ النوع البشري وصولاً الى معنى الأمة والقومية. إن معنى الأمة والقومية هو الذي يشكِّل الأطروحة الرئيسة التي كان كتاب نشوء الأمم كله قد وُجِد من أجل إيضاحها. وإن سعاده قد استند في كتابه الى أحدث الحقائق العلمية المُجمَع عليها في زمانه ليبرهن أن الأمة من ناحية السلالة والعرق والدم هي مزيج وليست سلالة واحدة صافية أو أصل عرقي ودموي واحد وحيد. ذلك لأن أوهام الأصل السلالي العرقي الدموي الواحد كانت منتشرة ومسيطرة على عقول الناس، وهي الأوهام التي أبعدت السوريين عن إدراك حقيقة وحدة حياتهم الإجتماعية الإقتصادية وصرفتهم عن معرفة حقيقة وحدة مصالحهم ومصيرهم الى إعتقادات وأوهام أقعدتهم عن صيانة هذه المصالح وهذا المصير. إن سعاده لم يكن يهمه ولا فرق عنده ولا يعنيه إذا كانت الفوارق السلالية تكمن في قياس الجمجمة أو لون العينين أو شكل الأنف أو الشعر أو غيرها. إن همّه وقضيته كانا برهان فساد نظرية الأصل السلالي الدموي الواحد للأمة وتأكيد حقيقة وحدة الحياة بكل مصالحها، وقد استعمل ما توصل إليه العلم بهذا الخصوص لكي تكون حجته علمية وليس مجرد رأياً إستبدادياً له. عِلماً أن علماء الإثنولوجيا والإنتوبولوجيا لا زالوا لحد اليوم يعتمدون الدليل الرأسي كأحد الأدلة لتمييز السلائل، وليس صحيحاً أن العلم قد تخلّى عن هذا الدليل. وسواء أصاب علماء الإتنولوجيا والإنتروبولوجيا في اعتماد الدليل الرأسي أو غيره في تمييز السلائل، أم لا، فإن النتيجة التي أراد سعاده أن يوصلنا إليها في عقيدته ومبادئه الأساسية تبقى نتيجة صحيحة مئة بالمئة، وهي أن الأمة من ناحية السلالة والعرق والدم هي مزيج متجانس، وأن جوهر الأمة ومعناها هو الإشتراك في الحياة بكل مصالحها بعيداً عن أوهام خلوص الأصل السلالي والعرقي والدموي، فهل يريد أحدٌ من منتقدي سعاده أن يغيّر هذه النتيجة؟ وما هي النتيجة الجديدة التي يقترحونها؟
لقد أوردنا هذه المسألة لكي نعطي مثلاً عن كيف يريد المجدِّدون المحدِثون تجديد وتحديث سعاده، ولكي نقول ونبرهن أن حججهم فارغة، ولنبيّن أن سعاده منذ أكثر من ثمانين سنة، أي منذ وضع عقيدته ومبادئه ومنذ ألّف كتابه العلمي نشوء الأمم، لا يزال الى اليوم أجدد وأحدث من جميع المفكرين المعاصرين الذين ينتقدونه، ولا تزال عقيدته وأفكاره في الإجتماع والإقتصاد والسياسة أجدد وأكثر حداثة من تخبط المقولات الفكرية الحديثة وترددها وتهافتها. كأن سعاده قد استبق الجميع وسبقهم. إليك ما أعلنه منذ ثمانين سنة في كتابه "الصراع الفكري في الأدب السوري"، قال:
"... نظرة جديدة الى الحياة والكون مشتملة على حقيقة أساسية صالحة لإنشاء عالم جديد من الفكر والشعور، إذا لم يكن هو العالم الاخير الاسمى على الاطلاق، عند المشككين، فهو عالم فوق العوالم الماضية ودرجة لا بد منها لإطراد ارتقاء الانسانية النفسي. ولذلك فهو عالم خالد لأن ما سيأتي بعده في الآماد البعيدة سيصدر عنه ويثبت نفسه عليه، أو على الاقل ستكون النفوس التي ارتقت لهذا العالم الجديد مستعدة لإقتبال عالم أجد، اذا كشفت مخبئات الأبد أنه سيكون ممكناً إحداث ذلك العالم الذي لا يمكننا، الان والى أمد بعيد، تصور موجباته وحقائقه وقضاياه، ولكننا نتصور بموجب مبدأ الاستمرار والاطراد الفلسفي الذي اضعه نصب عيني في فهم الوجود الانساني، أنه لا بد أن يكون ذا إتصال وثيق بعالم نظرتنا الجديدة وحقائقه وقضاياه. كما أننا نرى بموجب هذه النظرة أن عالمها ليس شيئا حادثا من غير أصل، بل شيئا غير ممكن بدون أصل جوهري تتصل حقائقه بحقائقه، فتكون الحقائق الجديدة صادرة عن الحقائق الاصلية القديمة بفهم جديد للحياة وقضاياها والكون وامكانياته والفن ومراميه."
مَن مِن المجدّدين المحدثين يمكن له أن يدعي أنه أجدّ من سعاده وأكثر جرأة وأنفتاحاً على ما سيأتي بعده، إذا أتى؟ ومَن غير سعاده من الفلاسفة يقبل أن يكون عالمه (فلسفته) ليس هو العالم الأخير الأسمى على الإطلاق؟ ومَن غير سعاده من الفلاسفة يعلن هو بنفسه أن عالماً جديداً أجدّ من عالمه سيأتي بعده بموجب مبدأ الإستمرار والإطراد الفلسفي، حتى ولو لم يكن بإمكاننا اليوم، والى أمد بعيد، تصور موجباته وحقائقه وقضاياه؟
مَن غير سعاده من الفلاسفة لديه هذا اليقين المطلق الكامل بنظرته الى الحياة والكون والفن والقول أن ما سيأتي بعدها سيصدر عنها ويثبت نفسه عليها، وهذا النزوع الى التجديد والتحديث لدرجة الكلام الصريح عما سيأتي بعدها ولو بعد آماد بعيدة؟
هذا هو سعاده، إنه أجدد بكثير، بما لا يقاس، من الذين يريدون تجديده الآن وهم ليس لديهم أي شيء جديد.
أصبح الآن بامكاننا الجواب على سؤال البعض من تلاميذ سعاده الذين يقولون: إننا نؤمن بنظرة سعاده الفلسفية ونعتنق مبادئه الأساسية وعقيدته، لكن ماذا لو لم نوافق على جميع أقواله الأخرى؟ هل نبرر له وندافع عما نحن لا نقبل به أم نجاهر بعدم موافقتنا على بعض التفاصيل؟
الجواب هو أنك أذا كنت تؤمن بالقضية ومؤسسها وتعتنق عقيدته، أي المبادئ الأساسية، فسيكون الباقي تفاصيل قابلة للتأويل إستناداً للأساس الذي تؤمن به. ذلك أن جميع أقوال سعاده هي شروح لعقيدته ومبادئه بطريقة أو بأخرى، فيجب فهم أقواله متصلة بمبادئه وليس مستقلة مطلقة منفكة عنها، فضلاً عن ضرورة إلتزام القاعدة التي ذكرناها في الجزء الأول من هذا الموضوع، وهي معرفة موضع وموضوع القول والمناسبة والظروف التي قيل فيها، والفكرة الأساس التي قيل هذا القول ضمنها. هكذا يستقيم تأويلك لأقوال سعاده ويصحّ فهمك لها ولا تعود تقبل بهذه وترفض تلك. نعم إنك تبقى قومياً إجتماعياً إذا أشكل عليك فهم إحدى العبارات، فإيمانك بسعاده وعقيدته ومبادئه الأساسية يحلّ لك ما أشكل عليك قراءته بشكل صحيح. ولا تنسى أن سعاده يتوقع منك أن تؤمن به معلماً وهادياً وليس فقط أن تقبل به زعيماً صاحب سلطة قانونية دستورية. إقرأه في رسالته الى " عضوي اللجنة المفوضة" لجريدة سورية الجديدة تاريخ 30-8- 1939 يقول منتقداً الرفيق رشيد شكور:
"... وعدم فهمه الزعيم وشخصيته، فهو لا يظهر أنه يؤمن بالزعيم وأنه يرجع الى تعاليمه، ويستدل من بعض كتاباته أنه يعد الزعيم هيئة نظامية فقط أو دستورية، وهذا مخالف للواقع، وقد يؤدي الى إضعاف ثقة القوميين بالزعيم وإيمانهم به ومحبة التعلم منه والتعويل على تعاليمه.