سيطرت النظرة الدينية منذ بداية الحضارة الإنسانية وتشكّل الدول التي اصطبغت بالصبغة الدينية والقداسة وعبادة الملوك أو تقديسهم، وزادت هذه السيطرة بشكل كبير مع الأديان الكبرى، خاصة مع المسيحية ومع الإسلام.
سيطرت الدول الدينية الامبراطورية على تاريخ البشرية في معظم مراحله ورافقت هذه السيطرة الحروب الدينية والمذهبية التي أبادت ملايين البشر.
رغم النص الديني الذي يدعو الى المحبة والسلام، استطاعت المؤسسة الدينية تسخير الدين لخدمة السلطة السياسية ومنافعها الخاصة، واستطاعت توظيفه للوقوف في وجه اي تطور علمي أو ثقافي يهدد سلطتها المعرفية.
شهدت أوروبا في القرون الخمسة الماضية تحولات لم تشهدها المجتمعات الأخرى أبرزها عصر النهضة ونمو المدن والاكتشافات والاختراعات والتحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية والصراع الديني في المسيحية بين البروتستانت والكاثوليك والصراع بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية والصراع بين المؤسسات الدينية والعلم والثورة السياسية الأميركية والثورة السياسية الفرنسية وظهور الدول القومية العلمانية وفصل الدين عن الدولة واعتماد القوانين الوضعية وعصر الاستعمار الذي سيطرت فيه الدول الأوروبية على معظم شعوب العالم.
تراجع الدور السياسي للمؤسسة الدينية في الغرب، ولكن دورها الاجتماعي والثقافي لا يزال قائما وقد طورّت نظرتها تجاه مسائل دينية عديدة واضطرت الى مجاراة الحقائق العلمية التي حاربتها في الماضي حيث اضطهدت الكثير من العلماء.
أما في دول العالم الثالث وخاصة في الدول العربية والاسلامية لا يزال حضور الدين طاغيا ولا تزال المؤسسات الدينية تشكل السند الرئيس للسلطة السياسية، وعلى المستوى الاجتماعي لا تزال الأولوية للهويات المحلية وعصبياتها الدينية والمذهبية والاتنية والقبلية والعائلية.
دعا أنطون سعادة (1904-1949) إلى دعوة جديدة تتناقض مع مصالح السلطات الدينية والسياسية المتحكمة بالواقع القائم، ومع مصالح القوى الاستعمارية المتحكمة بالمتحكمين بهذا الواقع. دعا إلى القومية الاجتماعية التي تعطي الأولوية للهوية القومية وليس للهوية الدينية أو المذهبية، والتي تدعو في مبادئها إلى فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في الشؤون السياسية والقضاء وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
فما هي أسس هذه القومية الاجتماعية وما موقفها من الدين؟
القومية الاجتماعية هي العقيدة التي أطلقها أنطون سعادة (1904- 1949 )، وكتب بشأنها العديد من الكتب والأبحاث والدراسات، وأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي للعمل على نشرها والنهوض بالمجتمع للوصول الى حالة الوعي القومي والوعي الاجتماعي سبيلا لخلاص الأمة من حالة التفكك والضياع والتشرذم الطائفي والمذهبي والاتني والعشائري والطبقي، والتصدّي للمطامع الاستعمارية والمؤامرات الخارجية، وتأسيس الدولة المستقلة دولة المواطنين التي لا تمييز فيها على أسس دينية أو طائفية أو مذهبية أوعرقية أومناطقية، بل دولة العدل الاقتصادي والعدل الاجتماعي التي تساوي بين جميع المواطنين في أخوّة قومية اجتماعية.
القومية الاجتماعية هي العقيدة وهي الفلسفة التي جاء بها سعادة لأمته وللعالم.
تنطلق من فهم الواقع الإنساني والواقع الاجتماعي. وتدعو إلى الاعتراف بحقيقة هذا الواقع.
العالم ليس أمة واحدة بل هو أمم لأن الأرض بطبيعتها مقسمة إلى أقاليم وبيئات متنوعة نشأت فيها هذه الأمم. فلا يجوز لأمة استغلال أو استعباد أمة أخرى لا بمبادئ روحية دينية أو ثقافية ولا بمبادئ مادية رأسمالية أو طبقية. ويدعو إلى ثقافة إنسانية واحدة تتفاعل فيها كل الأمم بألوانها الثقافية المتعددة.
لا يمكن حل مشاكل أي مجتمع بدون وعي قومي يوضح حقيقته وينقذه من تخبطاته.
العقيدة قومية اجتماعية، هي قومية لأنها تقول بالأمة والولاء القومي. وهي اجتماعية لأن غايتها الاجتماع الإنساني- المجتمع وحقيقته ونموه وحياته المثلى. والمجتمع الأكبر والأمثل هو الأمة، أمة واحدة-مجتمع واحد. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 385)
المجتمع هو الوجود الإنساني الكامل والحقيقة الإنسانية الكلية. والقيم الإنسانية العليا لا يمكن أن يكون لها وجود وفعل إلا في المجتمع فمتجه القيم كلها هو المجتمع-هو مصدرها وهو غايتها. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 386)
العمل القومي معناه العمل لحقيقة وجود المجتمع والعمل الاجتماعي هو تعبير المجتمع عن وجوده وأهدافه وسيره إلى مقاصد حياته العليا. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 420)
إن الأمة التي تنشىء نهضتها على الأخوة القومية الحقيقية المتولدة من الاشتراك الفعلي في الحياة الواحدة في الوطن الواحد، أمة تستغني بالآنتساب إلى حقيقتها عن الآنتساب إلى أوهامها، فالأوهام تزول ولا يبقى إلا الحقيقة.
إننا أمة ليس لأننا نتحدر من أصل واحد، بل لأننا نشترك في حياة واحدة في وطن واحد يحتم علينا أن نكون إخوانا قوميين متحدين في هذه الجامعة الوطنية، التي قلّ مثيلها، من أجل كرامتنا نحن وحقوقنا نحن ومصالحنا نحن ووطننا نحن. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 405)
في خطاب أول حزيران 1935 حارب الزعيم الدعاوات الأجنبية ووضع قواعد الاستقلال الفكري وربط مصير الأمة بإرادتها هي بعد أن كانت مربوطة بالإرادات الأجنبية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 2)
ليست القومية إلا ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسه. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 6)
حصول الوجدان القومي هومرتكز أساس في القومية الاجتماعية "يتطلب من الفرد أن يضيف إلى شعوره بشخصيته شعوره بشخصية جماعته، أمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه وأن يجمع إلى فهمه نفسه فهمه نفسية متحده الاجتماعي، وأن يربط مصالحه بمصالح قومه، وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتم به ويود خيره، كما يود الخير لنفسه." (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 5)
القومية الاجتماعية تتطلب وحدة قومية قوية وهذه لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اقتصادي سيء، كما لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اجتماعي سيء. فإقامة العدل الاجتماعي-الحقوقي والعدل الاقتصادي الحقوقي أمر ضروري لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 327)
إن الاستقلال الصحيح والسيادة الحقيقية لا يتمان إلا على أساس وحدة اجتماعية صحيحة. وعلى أساس هذه الوحدة فقط يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة وفيه يؤمن تساوي الحقوق لأبناء الأمة. إن التساوي في الحقوق والتوحيد القضاي هما أمران ضروريان لنفسية صحيحة موحدة. فبدون هذا التساوي تظل العقليات المختلفة التي كوّنتها الشرائع المختلفة تمنع الأمة من الاضطلاع بقضاياها. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 73)
من أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي، أو من عوامل ضعفه، إهمال نفسية الأمة السورية الحقيقة، الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعمل، وفي مآثرها الثقافية، كاختراع الأحرف الهجائية، التي هي أعظم ثورة فكرية ثقافية حدثت في العالم، وإنشاء الشرائع التمدنية الأولى، ناهيك بآثار الاستعمار والثقافة السورية المادية-الروحية والطابع العمراني، الذي نشرته سورية في البحر السوري المعروف في الجغرافية بالمتوسط، وبما خلّده سوريون عظام. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 77)
لذلك كان إنشاء الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس لخدمة شخص معين. ليس لخدمة شخص اسمه أنطون سعادة، وليس لخدمة غايات خاصة لعدد من الأشخاص أو عائلة تجمع هؤلاء الأشخاص. نحن في الحزب القومي الاجتماعي لنخدم غاية الشعب بأسره غاية المنضوين تحت لواء الحزب السوري القومي الاجتماعي وغير المنضوين تحت لواء الحزب. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 150)
القضية الأولى التي تواجه العقيدة القومية الاجتماعية هي قضية التربية والتثقيف، قضية الصراع المميت بين تاريخ حديث وتواريخ دخيلة مستمرة-قضية الصراع الفاصل بين نفسية فتية تنظر الى الحياة والكون والفن نظرة جديدة ونفسيات شائخة اعتادت النظر الى شؤون الحياة والكون والفن ضمن الحدود المغلقة التي تكونت فيها. إن صلب المعركة ليس مع الذين انتهى تكوينهم النفسي على خطط منافية للعقيدة القومية الاجتماعية وللنفسية التي تتطلبه، بل في العمل مع الذين هم في طور التكوين النفسي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 220)
ترتكز فكرة القومية الاجتماعية على مفهوم المجتمع، بيئة الاجتماع الواحدة حيث تتشكّل الإرادة العامة تعبيرا عن المصلحة العامة الدائمة وحيث المصالح المشتركة والحقيقية لكل أبناء المجتمع بغض النظر عن الأصل أو الدين.
الأخوة القومية تستند إلى واقع اجتماعي حيث يجري تفاعل الناس لتحقيق مصالحها المادية والنفسية وتأمين حياتها وارتقائها. الأخوة الدينية تستند الى فكرة الدين والمذهب حيث ينتمي الناس إلى عقيدة تتعلق أساسا بما وراء الحياة. والدين أو المذهب الديني لا ينحصر في مجتمع واحد بل ينتشر في العديد من المجتمعات التي تتوزع على أقاليم جغرافية متعددة ومتباعدة. كما يحتوي كل مجتمع على أديان ومذاهب وتيارات دينية متعددة.
في كتاباته قبل تأسيس الحزب يشير سعادة إلى نهوض الأمم المسيحية في الغرب بعد ترك مبدأ الجنسية الدينية ومبدأ الدولة الدينية والأخذ بمبدأ الجنسية الاجتماعية ومبدأ الدولة القومية من غير أن يعني ذلك التخلي عن تعاليم دينها المناقبية التي توثّق أواصر وحدتها الداخلية وتجعل كل أمة منها يداً واحدة في طلب الفلاح.
بينما الأمم الإسلامية لا تزال متأخرة، لأنها لـمّا تجتز طور العمل بمبدأ الجنسية الدينية وهي ما دامت متمسكة بهذا المبدأ الذي لا يتفق مع الواقع الاجتماعي فلا أمل لها بمجاراة الأمم المسيحية التي تقدمت باسم الجامعة القومية المنفصلة عن الدين، من غير أن يتخلى أي مؤمن عن دينه وتعاليمه. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، الصفحات 158-159)
ويرى أن الشعب السوري لا يزال منساقـاً في تيـارات القضايـا الدينية والعشائرية لا يدرك وحدته التاريخية ووحدته الاجتماعيـة ولا وحدتـه الاقتصاديـة ولا وحدتـه السياسيـة. وقضايا الأمة لا تزال مخضعة لقضايا اللغة والدين والتاريخ الديني السياسي ولقضايا طبقة متركزة في قضايا الرجعية الدينية السياسية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 364-365)
إن اعتماد الجنسية الدينية سيؤدي إلى صراعات بين الأديان والمذاهب وسيفتت المجتمع ويخضع الجماعات الدينية فيه إلى المصالح الأجنبية، بينما اعتماد الجنسية الاجتماعية المستندة الى الواقع الاجتماعي والأخوة القومية هو وحده الكفيل بتأمين مصالح المجتمع .
المجتمع السوري لا يزال غارقا في العصبيات الدينية الفاعلة فيه بقوة ولا تزال السلطات الدينية المتنوعة بالتعاون مع السلطات السياسية تستخدم تأويلها للدين لمحاربة أخصامها وأي فكرة جديدة تشعر أنها تهدد مكانتها.
كان هذا الواقع ولا يزال يشكل أكبر العقبات والمعوقات أمام دعوة سعادة للقومية الاجتماعية.
كيف نظر سعادة إلى الموضوع الديني والحزبيات الدينية والخلافات بين المسيحية والإسلام الدينين المنتشرين بين مختلف الجماعات السورية؟
نشر سعادة العديد من الدراسات والأبحاث في الموضوع الديني منذ ماقبل تأسيس الحزب سنة 1932 وحتى تاريخ اغتياله من قبل السلطة اللبنانية سنة 1949
يتناول سعادة في دراساته ومقالاته في الموضوع الديني: الحزبيات الدينية، الأحزاب الدينية والطائفية، تدخل الدين والمؤسسات الدينية ، الحرية الدينية، المناقب الدينية، الدولة الدينية، والمقارنة بين الأديان.
سنتناول في هذه الدراسة الموقف من الحرية الدينية والحزبيات الدينية واستغلال الدين.
في مقالته عن الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين 1921 يتحدث عن التعصب الديني. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 5)
وفي مقال عن لجنة التمثال تهين شعور العالمين الاسلامي والمسيحي سنة 1922 يرفض إهانة الشعور الديني عند المسلمين وعند المسيحيين. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 22)
في قصته عيد سيدة صيدنايا يتحدث عن أهمية تحويل الأعياد الدينية الكبرى في المسيحية والإسلام إلى أعياد شعبية،:"فيجتمع في العيد الـمذكور خلق كثير لا من الـمسيحييـن فقط بل من الـمحمدييـن أيضاً لأن عيد صيدنايا يتخذ صفة عيد شعبي لسكان تلك الـمنطقة، فيبتهج فيه الشعب على اختلاف نحله، الأمر الذي ينبّهنا إلى الفائدة الاجتماعية الـجليلة التي يجنيها الشعب السوري كله من جعل الأعياد الدينية الـمحمدية والـمسيحية الكبرى أعياداً شعبية يوحد فيها السرور والابتهاج عواطف جميع السورييـن ويجعلهم يشعرون بوحدتهم القومية والاجتماعية." (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 323)
في دراسته عن مبادئ التربية القومية سنة 1933ينتقد سيطرة التعليم الديني الكنسي وتأثيره في السيطرة على الشعب:" وهذه القوة هي قوة الكنيسة التي كانت تعتمد على الدين لاستخدام الشعوب في مصالـحها الـخاصة. ولقد قبضت هذه القوة، في الـماضي، على أساليب التربية والتهذيب كلها، فكان التهذيب الديني أحد الأسلحة القاطعة التي حاربت تقدُّم الشعوب بتدخلها في شؤونها الدنيوية والـمادية بدلاً من الاهتمام بشؤونها الروحية. ولولا مجيء العرب إلى أوروبة واشتغالهم فيها بالعلوم والفنون لكان الـجهل أبقى الشعوب الأوروبية تـحت رحمة الكنيسة إلى زمن لا ندري أمده.
ويرى سعادة أنّ الـمبادىء الشعبية القومية ليست منافية للدين. ولكن يستقل كل منهما بخصائص ومزايا لا يـمكن إدغامها بخصائص ومزايا الآخر بدون أن يؤدي ذلك إلى نتائج سيئة في حياة الشعوب، ولهما وظيفتان متنوعتان وكلاهما يجب أن يكون غرضهما العناية بالشعب وتوفير أسباب نـموّه، ولا يحدث بينهما تضارب إلا إذا تدخل أحدهما في شؤون الآخر تدخلاً يفسد عليه عمله. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 385)
في دراسته عن التفكير العملي والإصلاح الاجتماعي يتحدث عن منافع الدين فيقول:" أنّ أولى منافع الدين كانت خدمة الشعوب وإنقاذ مطالبها العليا من التلف وإنعاش معنوياتها، بيد أنه إذا فقد الدين صفته الروحية وأمسى أداة مادية يستغلها أهله استغلالاً في سبيل مصلحة سلطتهم على حساب حرية الشعب ومصالـحه الـحيوية، تـحوّل من نعمة مُنِيت بها الشعوب إلى نقمة شريرة تـجلب عليها الكارثات، وتكون سبباً في انحطاطها فتضعف روحها القومية وتفقد ثقتها بنفسها ويستولي عليها الـخمول وتـمسي مطايا للشعوب الأخرى التي تتمشى على الـمبادىء الشعبية ذاهبة دائماً إلى الأمام - إلى التقدم والفلاح. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 386)
ويتناول موضوع الدين في كتابه نشوء الأمم ويخصص عددا كبيرا من المقالات والدراسات في الرد على تدخل رجال الدين في السياسة وعلى الأحزاب الدينية الطائفية والحزبية الدينية والتعصب الديني الذي يشكّل الخطر الأكبر على مصير سوريا وهو مدخل للمؤامرات والأطماع الخارجية، أما البحث المعمق في موضوع الدين هو دراسته المعمقة في المقارنة بين الأديان جاءت في سلسلة جنون الخلود من المقالة 12 بعنوان "علاك أوزان في مجال محاضر" ص 71 حتى المقالة 36 بعنوان خلود الجنون ص 269-275 وذلك في الرد على محاضرة رشيد سليم الخوري التي أسماها الحارضة.
يلتزم سعادة في دراساته المنهج العلمي والحقائق العلمية المثبتة ويتناول في بحثه المخصّص للدين، كلاّ من الاسلام والمسيحية واليهودية، بطريقة علمية وموضوعية. إنه بحث جديد في منهجه وفي معلوماته واستنتاجاته. وهو من أهم البحوث المكتوبة في هذا المجال على الصعيدين المحلّي والعالمي.
معظم الدراسات في المقارنة بين الأديان تحمل وجهات نظر متحيّزة بطريقة مباشرة وغير مباشرة وتأتي نتيجتها مزيدا من إثارة النعرات والعصبيات.
مراجعة سريعة للسجالات بين المذاهب الدينية وبين الأديان منذ نشأة الأديان الكبرى (المسيحية والإسلام) حتى اليوم ترينا عقم هذه السجالات ونتائجها السلبية.
يميّز سعادة بين طبيعة الاجتماع الإنساني وطبيعة الدين وعدم صلاحية الدولة الدينية : " لأن طبيعة الاجتماع الإنساني غير طبيعة الدين والإيمان. فالمؤمنون من كل دين أخوة بالمعنى الروحي فقط، أما بالمعنى الاجتماعي - الاقتصادي فالأخوة هم فقط أبناء المجتمع الواحد الذين ألّفت بينهم البيئة وجمعتهم أسباب العيش ومطالب الحياة لا أسباب السماء ومطالب الإيمان.الدولة الدينية المحمدية نشأت ونشأ الاختلاف بين الأمراء معها في أصولها. فاختلاف الصحابة وتنازعهم الأمر وحروبهم لم تكن على نص ديني ولا على غاية دينية، بل على السلطة والنفوذ.
اختلاف الأجناس والعقليات والبيئات لا يمكن أن يزول بوحدة الدين أو بوحدة الشرع، لأنه من طبيعة الواقع الاجتماعي.
لا يمكن التفكير بضم أبناء دين واحد منتشر في الأصقاع في دولة واحدة إلا على أساس الجهل والغرور، وقد يحتج بأن المحمديين ينقصهم ازدياد المعارف والفنون ليتّحدوا في دولة واحدة. والحقيقة أنّ هذا ينقصهم ليعلموا بطلان هذه الفكرة. فالشعوب المسيحية التي بلغت ذروة التمدن وأقصى العلم لم يكن اتحادها في دولة واحدة مع أنّ المسيحيين يعدّون أنفسهم أخوة في الدين، وتعاليم دينهم أوصتهم بالأخوّة. ذلك لأن أُخوّة الدين لا يمكنها أن تحل محل الأُخوّة القومية والحاجات والمطالب الشعوبية. ولذلك خابت الدولة الدينية العامة المطلقة في جميع الأديان على السواء. وكل دعوة لإعادة هذه الدولة هي تغرير وشعوذة.". (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، الصفحات 242-243)
يعتبر سعادة أن الغرض من الدراسة المقارنة بين المسيحية والمحمدية، هو وضع أمام السوريين درساً علمياً يفيدهم في فهم خصائص دينين يكاد لا يخلو مجمع من مجامعهم من بحثهما، وبحث القضايا الاجتماعية - السياسية التي ولّدها وجودهما متجاورين ومتلاصقين، خصوصاً في سورية التي لا يمكن معالجة قضاياها القومية - السياسية من غير تناول مشكل التحزبات الدينية ونظرياتها الأساسية والعارضة. والرغبة الحقيقية في صهر نظرياتنا وعقائدنا المتنافرة وسبكها في وحدة روحية لا تعود تتمكن المطامع الأجنبية من تفسيخها وإضعافها.
ويعتبر سعادة أن هذا البحث ليس، مع كل نظرياته الجديدة ودقة معالجته للأمور التي تناولها، سوى شق طريق لأبحاث تالية مستفيضة توسع دائرة فهمنا وترقي إدراكنا لشؤون حياتنا النفسية التي منعنا التخبط فيها عن الاتجاه نحو المرامي القومية الصحيحة ومثلها السامية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 112)
يرى سعادة أن:" الدين ظاهرة نفسية عظيمة الخطورة من ظواهر الاجتماع البشري. إنه ظاهرة قد نشأت وارتقت بعامل تطور الإنسانية نحو سيطرة النفس وحاجاتها في شؤون الـحياة. وهو قد تطور مع تطور البشرية ولن ينفك يتطور بتطورها. ولكن تطوره بطيء جداً وفي هذا البطء سر خطورته (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 143)
ويفسّرالدين من الوجهة العقلية بأنه نوع من أنواع الفلسفة في تعليل مظاهر الكون وتقدير نهايته ومصير النفس البشرية. ومع أنّ جميع الأديان الكبرى تجمع على فكرة أساسية واحدة، هي فكرة الله وخلود النفس والعقاب والثواب، فهي تختلف في جزئيات تتعلق بالمناقب والأخلاق بالنسبة إلى البيئة التي ينشأ فيها كل دين وحاجة الحياة لتلك البيئة. ثم تأتي المذاهب والشيع لتعدّل الدين من هذه الوجهة ليلائم حاجات ومصالح مجتمع خاص أو مجتمعات خاصة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 144)
كانت مسألة نشوء النوع البشري من الـمسائل التي شغلت عقل الإنسان منذ ابتدأ الإنسان يشعر بوجوده ويعقل نسبته إلى مظاهر الكون ونسبة هذه الـمظاهر إليه. فأخذ يتكهن صدوره عن عالم غير هذه الدنيا يعود إليه بعد فناء جسده. ولم يكن هذا التكهن الراقي في التصور مـما تنبه له الإنسان كما يتنبه للموجودات الواقعية، بل كان درجة بارزة في سلّم ارتقاء الفكر سبقتها درجات من التخرصات الغريبة التي ليس هذا البحث مختصاً بها. ولكن لا بد من الإشارة إلى هذه الدرجة لأنها ذات صلة متينة بنشوء الدين وفكرة الله وحكاية الـخلق الـمستقل التي أثّرت فينا تأثيراً عظيماً. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 9)
ويعرض سعادة للتعارض بين التعليل الديني والتعليل العلمي لحكاية الخلق المستقل نتيجة "وجود حقائق لا يوصلنا التعليل الديني الأولي إلى كشف القناع عنها. فكان من وراء ذلك نشوء الـمدرسة العلمية التي قام النزاع بينها وبين الدين فيما يتعلق بالـحياة ومظاهر الكون وحقيقة الأشياء، وكان ولا يزال نزاعاً شديداً." (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 10)
أثبتـت العلوم الطبيعية على اختلافها أنّ الـحياة أقدم كثيراً مـما قال به التعليل الديني، وأنّ الأنواع، من حيوان ونبات، متصلة اتصالاً وثيقاً ينفي مبدأ الخلق المستقل. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 12)
الدين نشأ وتطور ولن ينفك يتطور ولكن الخطورة هي بتطوره البطيء. هذا يعني أن الدين من حيث هو إيمان بمصدر الانسان ومعاده والحياة بعد الموت يجاوب على القلق الوجودي عند الإنسان، فترتاح نفسه ويطمئن قلبه أن الحياة لن تنتهي بالموت وأنه سيلتقي بمن فقد من أحبائه. لذلك نجد الظاهرة الدينية منتشرة عند كل الشعوب وفي مختلف الأزمنة.
تعرض الدين في أوروبا لتراجع كبير بعد ظهور الدولة الحديثة، حيث أخلى الساحة السياسية والقانونية التي هيمن عليها لقرون عديدة ، ولكنه لا يزال حاضرا في الساحة الاجتماعية، ورغم علمانية الدولة في الولايات المتحدة الأميركية نجد نفوذ الجماعات الدينية المتطرفة قويا ومؤثرا في دوائر صنع القرار السياسي. وفي الاتحاد السوفياتي رغم محاربة الدين والسلطات الدينية رجع حضور الدين بقوة في المجتمع الروسي.
الإيمان الديني له أشكال متعددة عدد الأديان والمذاهب، وهو إيمان باعتقاد يجري التسليم به من قبل المؤمن ولكن لا يمكن برهانه لا بالمنطق ولا بالبرهان العلمي.
"إنّ الحزب السوري القومي يقول إنه يجب أن يكون لكل فرد من أفراد الأمة السورية الحق والحرية ليعتقد في الشؤون المتعلقة بما وراء المادة، كالله والسماء والجحيم والخلود والفناء، كما يريد. ولا يطلب منه إلا أن يكون قومياً صحيحاً مخلصاً لأمته ووطنه.
ولكننا نرى هنا أن نقول بصورة خصوصية لا دخل للحزب فيها إنه من المستحسن أن يعدّ المسيحيون المدنيون أو العلمانيون، إذا لم يشأ الإكليروس، محمداً رسولاً إلهياً ودينه ديناً صحيحاً ليشعر المحمديون أنّ المسيحيين لا يكفّرونهم في دينهم ولا يحطون من قدر نبيهم، كما أنه يحسن أن يعدّ المحمديون دين اليسوعيين صحيحاً وأن يتركوا التأويلات التي تكفّرهم.
إنّ السوريين القوميين يحترمون معتقدات بعضهم بعضاً، ولا يخطر في بال أحد مدرك منهم أن يسفّه مذهب غيره الديني. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، الصفحات 259-260)
في التعليق على كتاب أخيه إدوار "تاريخ سورية السياسي"، الذي صدر باللغة البرتغالية في سان باولو في البرازيل، ينتقد سعادة ما كتبه إدوار ويقول:"أما في كتابته عن محمد فهو يسرد كيف قضى محمد على عبادة الأصنام في العُربة، ولكنه، لقبوله مرويات الـمصادر الـمحدودة التي استند إليها، وكلها أجنبية وغير موثوقة كل الثقة في جميع الـمواضيع يتابع الـمصادر الـمذكورة في مروياتها كل الـمتابعة، فقال عنه إنه كان يتظاهر بالاتصال بالسماء ووصف إكثاره من النساء خارج حدود القرآن للناس باستنكار كثير، وكذلك وصف غزواته وصفاً سطحياً باستنكار، ولم يتعرض لتعاليم القرآن بل نقل بعض الصور الناقصة والـمشوهة الواردة في الـمصادر التي استند إليها. وهذا يدل على أنه لم يهتم بالتحقيق في الرسالة الـمحمدية ولم يقرأ من كتب الـمحمديين شيئاً في تفصيل رسالة محمد، ولم يطّلع على دراسات حديثة منصفة لـمحمد. (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 192)
كتب رشيد شكور مقالة بعنوان "البيئة والتشريع". تناول فيها شخصية المسيح والبيئة التي نشأ فيها.
ينتقد سعادة ما ورد في مقالة شكور الذي هاجم حقيقة الـمسيح الـمقدسة عند الـمسيحييـن والـمسلميـن على السواء بقوله أما الـمسيح أو بالأحرى واضعو أحكام الديانة الـمسيحية." ويقول : " إنّ النهضة السورية القومية قد اكتفت بالفصل بين الدين والدولة، فقد بيّنت في شرح مبادىء الـحزب السوري القومي الـحد الذي تقف عنده النهضة القومية من الدين، فلا يجوز تـجاوز هذا الـحد إلى بحث حقائق أو أوهام أديان معيّنة ومهاجمتها بهذا الشكل. (سعادة ، الأعمال الكاملة 9، 2001، صفحة 107)
ويتابع نقده لرشيد شكور ويقول: "نفى وجود الـمسيح، وعزا التعاليم إلى جماعة مغفلة، فأوقع النهضة القومية في مشكل خطير بتحويلها إلى حركة غرضها إفساد الأديان وعقائد الناس في أديانهم والشخصيات الـمقدسة عندهم، وهذا خروج على التعاليم القومية، ووضع القضية القومية في مركز حرج." (سعادة ، الأعمال الكاملة 9، 2001، صفحة 115)
في مقال بعنوان "الفتنة الدينية بين سوريي الأرجنتين (الحي الإسلامي)، يدعو سعادة جميع السوريين من كل الأديان إلى التعاون لإنشاء الجامع الإسلامي، ويقول: "إنّ مسـألة إنشاء جامع إسـلامي هي مسألـة يجب على جميع السوريين من محمديين ومسيحيين ودروز تحبيذها لأن أبناء شعبنا المحمديين يحتاجون إلى مسجد يمارسون فيه فروض دينهم. والزوبعة تقترح أن يناصر هذا المشروع جميع السوريين بدون تمييز ديني. وإنّ من دواعي السرور لجميع السوريين بدون فارق ديني أن ينال كل دين من أديانهم الوسائل اللازمة لإقامة فروضه.
أما المدرسة المحمدية والمستشفى المحمدي وإنشاء حي للسكن والتجارة مختص بالمحمديين فهي فتنة، الغرض منها إيجاد التباعد بين أبناء الوطن الواحد والجنس الواحد." (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 3)
وفي مقال بعنوان " الروح القومي يتكلم بالحق" يتحدث عن نعمان ضو الذي اعتنق القضية القومية ووجد في المذهب الدرزي ما ترتاح إليه نفسه: "لم يكن من حظ نعمان ضو أن يدرس في مدرسة عالية فهو لم يتعلم غير القراءة والكتابة تحت سنديانة زرعون، ولكن نجابته وقوة روحه دفعتاه إلى طلب المعرفة، وإلى الاهتمـام بالحـوادث والمسائل الوطنية، فأقبل على قراءة الكتب التي يتفق وقوعها في يديه بشعف، فقرأ في بعض التواريخ وفي كتب الديانة الدرزية، وأحلَّ المعرفة التي وصل إليها محلاً كبيراً من نفسه واعتنى عناية عظيمة بالفضائل المناقبية التي تفهّمها من تعاليم دينه ومن قراءته في كتب التاريخ والأدب. وقد أوجدت مواهبه العقلية ميلاً فطرياً فيه إلى المسائل والقضايا الأساسية في الدين. وفي الوطنية كان هذا شأنه. أما في الدين فقد وجد في المذهب الدرزي الذي ولد وتربى فيه ما يشبع نفسه من هذه المسائل والقضايا." (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 291-292)
في قضية فخري المعلوف يؤكّد سعادة حرية الإيمان لكل فرد، ولكنه يرفض أن تكون هذه الحرية حكرا على دين أو مذهب معيّن، يقول سعادة بهذا الخصوص: " فاجأني منذ شهور بكتاب يعلن لي فيه اعتناقه الكثلكة بإيـمان، ويلخّص لي تفاصيل العقيدة الكاثوليكية.
أجبته على كتابه الـمذكور برسالة أبديت له فيها سروري لاهتدائه إلى ما تطمئن به نفسه فيما يختص بـما تتوق إليه من الاستقرار في الـمسائل العقائدية الـمتعلقة بـما وراء الـمادة. وذكّـرتـه بالـحدود الـمعيّنـة في عقيـدتنـا التي تفصل بين ما هو ديني بحت وما هو سياسي بحت، وبعدم جواز خضوع العقيدة القومية لأية هيمنة عقائد دينية عليها. وشرحت له عدم تدخّل نهضتنا في أية مسألة من مسائل الإيـمان الديني وعقائده الـمتعددة والـمتنوعة، الخ.
وبيّنت له أن لا حرج ولا إكراه في العقائد، وأننا لا نتنازل عن حق حرية الفكر لكل مفكر. فالقضية لا تتدخل في مسائل الإيـمان الديني ولا تريد أن تفرض حقائق دينية معيّنة على أعضائها. فليؤمن من شاء بـما يشاء وليجهر كل ذي رأي برأيه وليوافقه من شاء، وليخالفه من شاء، ولكن سلامة العقيدة القومية الاجتماعية ووحدة العقيدة القومية الاجتماعية وحركة النهضة يجب أن تبقى فوق جميع النظريات والـمذاهب الـجدلية الـمتعلقة بـما وراء الـمادة وبـما لا دخل للعقيدة القومية الاجتماعية فيه.
والغريب في موقف الأميـن معلوف أنه لا يطلب حرية الاعتقاد التي هي مكفولة في مبادئنا ونظامنا ومؤيدة بخطب ومقالات عديدة للزعيم، بل يطلب استخدام حرية اعتقاده ليفرض على الـحزب وجوب اعتماد الـحقائق الدينية الفلسفية التي لا يـمكن برهانها بالعقل البشري الـمجرّد وهو لا يعني شيئاً أقلّ من وجوب تقييد حرية الفكر بإقرار هذه الـحقائق النظرية الـجدلية الـمفترضة واعتمادها كحقائق واقعية لا يـمكن الـجدل فيها. وطلبه اعتماد الـحقائق التي يذكرها لا يعني شيئاً أقلّ من جلب نزاع النظريات والـمذاهب الفلسفية الدينية الـمسيحية والـمحمدية، واللادينية من علمية دروينية وغير دروينية واسبنسرية وغيرها إلى صفوف مفكري الـحزب، وتـمزيق العقيدة القومية الاجتماعية ووحدة صفوفها. وهذا القصد إما أن يكون عدائياً للنهضة، وإما أن يدل على حالة من اختلال الـمنطق أو الوقوع تـحت تأثير عوامل غريبة يـمكن أن تظهر مع الأيام." (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، الصفحات 26-29)
يدعو سعادة إلى عدم المزج بين القومية والدين: "لأنه لا تضارب بين القومية والدين إلا حيث يـمزج الواحد بالأخرى وقضاياها السياسية والاجتماعية، أو تـمزج الواحدة بالآخر وقضاياه اللاهوتية والفلسفية. فليس من فروض القومية تعييـن وجود الله أو عدم تعيينه، ولا تقرير صفات الله هل هي بالأقانيم الـموحدة على ما قررته الـمجامع الدينية الـمسيحية الغالبة، أم بالوحدانية الـخالصة من تـجزئة الأقانيم، على ما تقول به الرسالة الـمحمدية. كذلك يجب أن لا يكون من فروض الدين تعييـن سياسة الدولة وأشكالها وخططها، ولا حدود الأمة ووحدتها وماهيتها، ولا الوطن وجغرافيته، ولا الشعب واقتصادياته ومصالـحه. كل عضو من أعضاء الدولة السورية القومية الاجتماعية ومن أعضاء الـمتحد القومي له الـحرية أن يذهب أي مذهب ديني يشاءه بشرط أن لا يتعدى الدين مسائل الاعتقاد بالوجود أو الـخلق والنفوس وخلودها، والـحساب في الـحياة الأخرى التي تبتدئ بعد مغادرة هذه الدنيا، وما شاكل من قضايا ما وراء الـمادة إلى إخضاع الأمة والدولة لأية قضية أو نظرة سياسية - اجتماعية - اقتصادية يريد تقريرها. (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 34)
ويعتبر سعادة أن القضايا اللاهوتية هي من شؤون الوجدان الفردي الـخاص التي يجب أن لا تثير وأن لا نسمح بأن تثير قضية اجتماعية - سياسية.
"لا يـمكننا ونحن نبغي الصحيح أن ننظر إلى الدين بـمنظار سياسي ولا إلى السياسة بـمنظار ديني. يحسن أن يكون الإنسان مؤمناً في الدين ولا يحسن أن يكون مؤمناً في السياسة.
إنّ تسلّط الهوس الديني على عقل فخري المعلوف يدل على انحطاط في تفكيره وعودة إلى مستوى تفكير القرون الوسطى حين كان الناس يـمتحنون الصحة والفساد في الآراء والـمعارف بـمبلغ انطباقها على آيات الكتاب أو بـمبلغ إيـمان أصحابها الديني أو بتأييد الـخوارق وما شاكل." (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 65)
ويرفض سعادة تهمة الإلحاد التي وجهها فخري المعلوف للزعيم فيقول: "أما قول فخري عن الزعيم أنه ملحد فهو استنتاج أرعن، فضلاً عن أنه خيانة لـمبدأ القومية الذي لا يجيز الطعن في أحد من أبناء الأمة الواحدة بسبب اعتقاده الـخاص." (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 69)
يؤكّد سعادة أن تقرير شؤون الإنسان الاجتماعية والسياسية والنفسية لا يمكن أن تكون بالإيـمان بالافتراضات الدينية الاصطلاحية التي يسمونها حقائق وبإحلال الإيـمان محل العقل والعلم والبرهان. (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، صفحة 70)
العقيدة القومية الاجتماعية هي الضمانة لحرية المعتقد للجميع. "حرية الضمير والـجهر بالـمعتقدات، بشرط الـمحافظة على وحدة الأمة والدولة وعلى النظام الذي به تتم إرادة الأمة وغرض الدولة، وحرية العمل الاجتماعي لـممارسة طقوس الـمعتقدات الـمتعلقة بـما وراء الـمادة بشرط أن تلزم هذه الأعمال حدودها الغيبية ولا يكون غبار على أنها لا تتعدى تلك الـحدود إلى ما هو من شؤون الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والـحقوقية والقضائية، وإلى القول بحرمان أعضاء الدولة وأفراد الـمجتمع الذين هم من معتقد مخالف، من حقوقهم الـمدنية والسياسية، وإلى محاولة فرض أشكال سياسية خصوصية للدولة وشروط خصوصية لنظامها السياسي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 11، 2001، الصفحات 72-73)
وبخصوص اليهود يكتب سعادة سنة 1937 تحت عنوان " مجلس إسرائيلي قومي":
"لا يوجد لبناني يريد أن يعترض على شؤون اليهود الملّية وأحوال معتقداتهم الخاصة. ولكن لا يوجد لبناني واحد يقبل أن يجري تساهل في أمر نشوء قوميات غريبة في لبنان.
فإذا كان اليهود يريدون حقيقة غرضاً ملّياً بحتاً، فلا وجه لإيجاد صباغ قومي لهذا الغرض. أما إذا كانوا يريدون ستر أغراض قومية بستار الخلافات الملّية فنحن نريد من وزارة الداخلية أن تتروى في هذا الأمر وأن تصون كرامة اللبنانيين وحقوقهم.
وإذا كان اليهود لا يقصدون من مشروعهم القومي شيئاً يهودياً صِرْفاً، فالقومية في لبنان والشام وفلسطين واحدة وهي لا ملّية ولا طائفية.
يمكن اليهود أن ينشئوا مجلساً ملّياً أو طائفياً آخر. أما طلب إنشاء مجلس قومي لليهود في لبنان فتجاوزٌ لا تقبل به الكرامة اللبنانية." (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، الصفحات 211-212)
لم يتوجه سعادة برسالته ضد الدين ولا ضد التديّن، واعتبر أن الايمان والممارسة الدينية، هي من الحقوق الأساسية لكل مواطن، فله الحق أن يؤمن بما يشاء وله كل الحق بالتعبير عن ايمانه والقيام بالممارسات الدينية بكل حرية، ولكن ليس من حقه أن يلجأ إلى تكفير من لا يشاركه إيمانه، ولا يجوز له العمل على إثارة الفتنة والنعرات بين أبناء الأمة الواحدة والمجتمع الواحد.
سعادة أدان الحزبيات الدينية وكل أشكال التعصب والانغلاق ودعا الى فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في السياسة وإلغاء الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
بالمقابل كان الاقطاع السياسي والديني يستند في نفوذه على العصبيات الطائفية والمذهبية ويلعب باستمرار على وتر الحزبيات الدينية ويمارس سياسة النفاق والرياء والازدواجية بين أركانه ضمن المجتمع الواحد، ويمارس سياسة الخنوع والخضوع والاستزلام تجاه الأجنبي والمستعمر صاحب السلطة الفعلية.
في ظل الدول الامبراطورية شكلت العصبيات القبلية والعشائرية نوعا من الحماية الذاتية الضرورية خاصة في المناطق البعيدة عن المدن، في المناطق الواسعة في الأرياف والبوادي والمناطق الصحراوية.
الولاء المحلي كان سائدا في كل المجتمعات قبل الثورة الصناعية وقبل قيام الدولة الحديثة في الغرب التي قامت على أسس ومفاهيم جديدة.
لا تختلف العصبية الطائفية عن العصبية العشائرية والعصبية القبلية، خاصة وأن المذاهب كانت تنتشر بسهولة من خلال روابط القرابة والدم، واذا كان في بداية الانتشار ثمة تنوع، فبعد فترة تتحول بفعل الانغلاق وعدم التزاوج مع المذاهب المختلفة الى طائفة-قبيلة.
الدولة الحديثة قامت على الأساس القومي الديمقراطي، حيث الشعب مصدر السلطات، ولم تعد السلطة السياسية محتكرة باسم حق ديني أو الهي.
الدول الحديثة بالاجمال كانت استعمارية وتبنّت قيما خاصة بها وكانت سياساتها الخارجية عنصرية وعدوانية وعملت على نشر البغض والكراهية وتعزيز الانقسام والتفتيت في المجتمعات التي دخلت اليها بالنفوذ الاقتصادي والثقافي وبالاستعمار المباشر.
استطاعت هذه الدول أن تخلق لها أتباعا ومريدين في البلدان المتأخرة والضعيفة بوسائل وأساليب متعددة، وكان التعاون الأكبر بينها وبين الاقطاع السياسي والديني الذي كان ولا يزال مستعدا للخضوع لأية سلطة استعمارية جديدة.
شكّلت العصبيات الطائفية والحزبيات الدينية العامل الأساس في تمكين الاستعمار من تنفيذ مخططاته وفي استعباد الأمة وابقائها في حالة الشلل والتخلّف.
المواجهة بين القومية الاجتماعية وبين الحزبيات الدينية هي مسألة حتمية لا مهرب منها، لأنها مواجهة بين دعوة الثقة بالأمة وامكاناتها(القومية)والعدل الحقوقي الاجتماعي والاقتصادي (الاجتماعية)، ودعوة الحزبيات الدينية القائمة على التمييز بين أبناء المجتمع الواحد والمستسلمة للارادة الأجنبية والخاضعة لها.
لا مشاحة في أنّ الـحزبية الدينية لا تزال من أعظم مشاكل سورية الداخلية ومن أكبر العراقيل التي تعترض سير النهضة القومية الاجتماعية في سورية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 461)
متى تـحولت العقائد الدينية الـخالصة، الرامية إلى تقوية نفسية الإنسان وتقريبه إلى عمل الـخير لنفسه ولأبناء مجتمعه ومن تـحصل له علاقة وثيقة بهم، إلى تعليم يزرع البغض بين أبناء الـجنس والوطن، وينمي الـحقد ويرمي إلى سيادة بعض أبناء الأمة الاجتماعية على حساب عبودية البعض الآخر من أبنائها، فقد فسد الدين واختلت العقائد، واحتاج الـمجتمع الذي أصيب بهذه البلبلة إلى هداية جديدة وإصلاح نفسي واسع.
لا يوجد في العصر الـحاضر مجتمع من مجتمعات العالم الـمتمدن أشد نكبة بفساد الدين واختلال العقائد من الـمجتمع السوري، الذي نهشت قلبه الأحقاد الدينية الـمتنوعة، وأفسد دمه مكروب الإفتاء الـمظلّل، حتى عميت البصائر وذهبت الفضائل من الكرامة والوفاء والعز القومي، وحلّت محلها الرذائل من الـمكر والـخديعة والغدر، فتمزقت العصبة السورية واستولى الأجانب على وطنها وأكلوا حقوقها، والـمفتون الـجهال لا يفتأون كلما نامت فتنة أيقظوا فتنة أخرى يرمون قومهم في نارها، تهلك من هذه الفئة تارة وطوراً تهلك من تلك الفئة، وكلما هلك فريق هلل الفريق الآخر أو كبَّر، وما يهللون أو يكبَّرون إلا لـخراب وطنهم وذهاب عزهم وتسلط الأجنبي عليهم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 528)
الكره والحقد بين الأديان وبين المذاهب الدينية قائم في المسيحية وفي الإسلام يتغذى بما يسميه سعادة الإفتاء المضلّ.
لم يقتصر أهل الإفتاء الـمضلّ في الـمسيحية على إحداث الكره وتنمية البغض والـحقد ضد أصحاب الـملل الأخرى، بل تناول الـمسيحيين أنفسهم. فصار الكاثوليك يرمون الأرثوذكس والبروتستنت واليعاقبة بالبدع والهرطقة، لأن هؤلاء الطوائف لم يجدوا أنّ من أساس الإيـمان الاعتراف بخلافة البابا وأنّ الرسول بطرس عيّنه الـمسيح رئيسـاً على الـرسـل يقـوم لـه خليفـة بعـد موتـه، ولأن بعض هذه الطوائف رأت أن تفهم الـمسيح على غير ما فهمه الكاثوليك. وصار الأرثوذكس يفعلون مثل ذلك تـجاه الكاثوليك والبروتستنت واليعاقبة لـمثل هذه الأسباب. وكذلك البروتستنت والنساطرة واليعاقبة. وقام أهل الإفتاء من هذه الـمذاهب يوغرون الصدور ويحرضون على العداء، ولولا خوفهم من أن يُرموا بالـخروج الظاهر على أقوى التعاليم الـمسيحية لطلبوا إعلان الـحرب والأخذ بالإكراه في الدين، كما حدث لهم في حرب البروتستنت والكاثوليك في ألـمانية، وفي حرب الكاثوليك والهوكونوت في فرنسة. ولولا أنّ تعاليم جديدة قومية ووطنية واجتماعية نشأت في أمـم أوروبة الـمسيحية.
لم يقتصر أهل الإفتاء الـمضلّ في الـمحمدية على إحداث الغلّ والكره والـحقد ضد عابدي الأصنام، ولا ضد أبناء الـملل الأخرى، بل تناول الـمحمديين أنفسهم. فصار أهل السنَّة يرمون أهل الشيعة بالبدع والـمروق من الدين، وقامت السنّة والشيعة على الـمعتزلة، وطعنت الشيعة في صحة مذاهب السنّة، وناهضت الـجبرية القدرية. واختلفت الشافعية والـمالكية والـحنبلية والـحنيفية في الفروع، وجرت في بغداد وأماكن أخرى مواقع دموية في أيام العباسيين، وما بعدهم، بسبب هذه الاختلافات. وقام أهل الإفتاء من هذه الـمذاهب يوغرون الصدور ويحرضون على العداء، ولولا خوفهم من أن يرتد كيدهم في نحورهم لـما اقتصروا على إيغار الصدور والتحريض على الكره والعداء، بل لطلبوا إعلان الـحرب والإيقاع بأبناء ملّتهم. على أنه إذا فات أولئك الـمفتين بجهل إيقاد نار الفتنة من جديد بين الـمحمديين أنفسهم وفضلوا إبقاء هذه النار خامدة موقتاً، فلم يفتهم أن يتمسكوا بنصوص وأحاديث وجدت لـمعالـجة أهل الـجاهلية الوحشية ليوقدوا نار الفتنة الدينية الـملعونة ضد أبناء أوطانهم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 529-531)
يقول سعادة أن المؤسسات الدينية استخدمت الشعوب في مصالحها الخاصة وقد حاربت التقدم من خلال قوتها وسيطرتها على أساليب التربية، التي استخدمتها للتدخل في الشؤون الدنيوية والمادية بدلا من الاهتمام بالشؤون الروحية فقط. والشعوب الغربية لم تبلغ مستواها في الحضارة والعمران إلا بعد أن وضعت حدا لهذا التدخل. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 358)
كما كانت الجامعة الدينية وبالا على الشعوب المسيحية في الغرب، كذلك كانت الجامعة الدينية وبالا على الشعوب الاسلامية في الشرق. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 387)
ويرى سعادة أن الدين في الأساس جاء لخدمة الشعوب وإنقاذ مطالبها العليا من التلف وإنعاش معنوياتها. ولكننا نرى الآن أن الدين قد تحول إلى مجرّد معتقدات ليس لها غرض سوى إقامة الحواجز الاجتماعية بين فئات هيئتنا الاجتماعية الواحدة، حتى إننا نعيش شعوبا ضمن شعب وأمما ضمن أمة. إن تقاليدنا المتوارثة تمنع نفسيتنا وعقليتنا من النمو وتشوه تركيبنا الاجتماعي وتجعلنا عاجزين عن تحقيق ما قد نرى فيه مطلبا أعلى جميلا. (سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 393)
نرى أن المعتقدات الدينية ، أو بالحري التقاليد الناشئة عن هذه المعتقدات، تقيم حواجز بين المسيحيين والمسلمين وتمنع من اشتراكهم إشتراكا فعليا في الحياة القومية.
(سعادة ، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 394)
الرد على خطاب البطريرك الماروني ص339-ص361 يفنّد سعادة تدخله المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية والتربوية
"بديهي أن تؤدي الأسباب عينها إلى النتائج عينها، وأن ينتج عكس العلاج وأساليبه عكس النتائج التي تكون حاجة الشعب وأشواقه وآماله. فمعالجة رجال الدين اليوم مسائل الأمم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كمعالجة رجال الدين في الأزمان الغابرة الأمراض الجسدية والنفسية (العقلية) حين كان الكاهن ذا سلطة خفية، مستمدة من جهل تلك الأجيال السحيقة، على الروح والمادة. وكما أدى ارتقاء فن الطب إلى استحالة حلول الكاهن الساحر محل الطبيب العالِم، كذلك أدى ارتقاء علم الاجتماع وفن السياسة إلى استحالة حلول مطران أو بطريرك محل العالِم الاجتماعي أو الخبير السياسي أو الثقة في الاقتصاد. وكما يؤدي تدخّل رجل الدين، من حيث هو رجل دين، في معالجة مريض إلى إفساد عمل الطبيب وعلاجه، كذلك يؤدي تدخّل رجل الدين، من حيث هو رجل دين، في معالجة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى إفساد عمل الخبير بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلاجه." (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 340)
ولسنا نتمكن من تصور أنه قد يخفى على غبطته ما في التشبث بجعل الرئيس الروحي مرجعاً للشؤون الزمنية من الخطر على سير الأمور الزمنية التي تصبح في هذه الحالة معرضاً لتنازع السلطات الروحية السلطة الزمنية أو الشؤون الزمنية، إذ ليس للشعب سلطة روحية واحدة، بل سلطات يؤيدها التعصب الديني والطائفي الذي يعترف غبطة البطريرك في خطابه بوجوده عند أكثر الناس في لبنان. كما وأنّ الاستمرار في تأييد كون الممثل الديني ممثلاً سياسياً لا يفيد سوى تأييد الاستمرار في اعتبار الجماعة الدينية جماعة سياسية، فيظل الشعب مقسماً إلى جماعات دينية تقسيماً يمنعه من الأخذ بالقومية التي هي وحدها تؤمن وحدته السياسية والاقتصادية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 348)
وغبطته يريد أن تبقى التربية القومية مقسمة بين الأديان المتعددة. ويقول إنه لا يجوز للحكومة أن تؤسس أو تشجع تأسيس مدارس لا دينية، أي علمانية. وإنه يجب على الحكومة أن تكِلَ لرجال الدين التعليم المدني أيضاً. فنخرج من نصائح غبطته بتربية دينية، مذهبية، طائفية، لا قومية تزيد مصائب الميعان القومي النازلة بنا، فلا نكون أمة واحدة مطلقاً، ويظل مصيرنا مربوطاً باستفادة الأجنبي من انقساماتنا الدينية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 359)
وينتقد سعادة رسالة البابا في صدد التوراة لأنها تستغلّ الدين لخدمة السياسة
"نفوذ اليهود فى الفاتيكان"
«إستفحال أمر الصهيونية"
الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 80، 4/9/1944
منذ بضعة أشهر صدرت رسالة البابا بيوس الثاني عشر فى صدد التوراة، فكانت من أشد الرسائل البابوية خطورة وأكثرها تعديلاً للموقف الكاثوليكي الرسمي فيما يختص بالتوراة المعروفة في لغة الكنائس المسيحية بالعهد القديم.
كانت الكنيسة الكاثوليكية تكتفي منذ زمن الاصلاح، بالإنجيل المسيحي، المعروف بالعهد الجديد، مرجعاً للتعليم الديني ومصدراً للروحية الدينية المسيحية كلها. وكانت قراءة التوراة شبه محرّمة على أتباع الكنيسة المذكورة. وقد خرجت رسالة البابا بيوس الثاني عشر التي نحن في صددها الآن عن ذلك الحد بإثبات وصية صريحة لقداسته تحث على القراءة اليومية للكتاب المقدس فى العائلات المسيحية وتحرّض الأساقفة على "تحبيذ ومساعدة تلك التقية التى ترغب في نشر طبعات التوراة بين االمؤمنين، وخصوصاً نشر الأناجيل، وأن يسعوا بكل اجتهاد أن تُقرأ في العائلات المسيحية باستقامة وتقديس".
وهذا يعني أنّ جميع القصص التي آخذها اليهود من الأساطير السورية وأوّلوها لمصلحتهم وتعزيز شأن جماعتهم ستجد قبولاً و"تقديساً جديدين عند الكاثوليك كما وجدت قبولاً وتقديساً عند الشيع اليروتستانتية!
لسنا نريد نعالج هنا الدوافع والمرامي الدينية البحتة للحث على دراسة التوراة توخيًّا لجلاء بعض غوامض التأويلات والتفسيرات اللاهوتية. ولكننا نريد أن نتناول الوجهة السياسية المتضمنة فى "تقديس" التوراة وخصوصياتها اليهودية ولعناتها للأمم والجماعات غير اليهودية وتفضيلها الإسرائيليين على جميع خلق الله الذين لا يبلغ اليهود عشر معشارهم.
إن "تقديس" التوراة ومراميها اليهودية المخالفة للروحية الناصرية المعلمة المحبة والمساواة الإنسانية هو من أهم "موجبات" العطف على اليهود ومطامعهم في سورية عند الشعوب البروتستانتية. ومع أننا نعلم أنّ "العطف" الذي تبديه بعض الدول الكبرى لمآرب لليهود هو ذو مصدر سياسي بحت فلا يمكننا أن نجهل أو نتجاهل أنّ تعميم ذاك العطف في شعوب الدول المذكورة يجد في "تقديس" التأويلات اليهودية لوجود الله وعمله وحكمته تسهيلاً كبيراً وإقبالاً واسعاً. ومما لا شك فيه ان اعتماد الكاثوليك "تقديس" صوت إسرائيل وبنيه وتقديس لعنة جميع الأمم سيفتح مجالاً جديداً للشفقة على "شعب الله المختار"، ويوجد تأييداً له في محاولته الجديدة للاستيلاء على بلاد السوريين التي "وعده يهوه" أن يعطيه إياها ملكاً خاصًّا به على تعاقب أجياله. وأي تأييد يستطع ادعاء اليهود حقوقاً في سورية نواله أقوى من تأييد اعتقاد ملايين المتدينين القارئين "كلمة الله" في "كتابه المقدس" أنّ سورية هي لليهود بحق إلهي مشروع في التوراة.
لا بد من تقرير أن هنالك علاقة وثيقة بين اتجاهات معيّنة من الشعور الديني والأغراض السياسية للدول والجماعات. ومن ذلك العلاقة الوثيقة بين الحث ثم العودة إلى التوراة وقراءتها "بتقديس" ومطامع اليهود السياسية في سورية.
إنّ كثيراً من الذين يقرأون التوراة "بتقديس" كل يوم، ومنهم ملايين في أميركانية وبريطانية، يرون في عودة اليهود إلى محاولة الاستيلاء على سورية تحقيق وعد الله أنه "سيجمع خرافه" بعد تشتيتها. وموقف السوريين المدافعون عن وطنهم وحقوقهم القومية هو، في نظر أولئك المؤمنين عصيان لمشيئة الله وأحكامه. والعاصي يستوجب النقمة!"
ويشير سعادة إلى خطر التيارات الدينية التي تحمل أغراضا سياسية في المسيحية وفي المحمدية:
"ليست قليلة نكبات سورية الحربية والسياسية المتأتية عن التيارات الدينية التي أخذت مجرى في داخلها. وكما يخشى الآن من مجاري الشعور الدينى الخارجية الموجهة بقصد إلى أغراض سياسية، كذلك يخشى من المجاري الداخلية المصاحبة للمجاري الخارجة، وهذه الخشية لا تتعلق فقط بالمجاري الروحية المسيحية بل تشمل المجاري الروحية المحمدية أيضاً، فالدعوة إلى الخلافة المصرية في شخص الملك فاروق، وتحبيذ الوهابية التي يتزعمها إبن السعود العربي، هي من الدعاوة التي تحمل خطراً سياسيًّا على سورية. ومن مدهشات الدعاوة السياسية اللابسة لباس الدين محاولة إظهار الحركة الوهابية، التي هي ليست سوى رجوع اوليات التفكير العربي الصحراوي المحدودة بمظهر حبكة إصلاحية في الدين!
كثير من السوريين الذين قرأوا والذين سيقرأون التوراة اليهودية "بتقديس" لن يجدوا نكيراً في محاولة اليهود الجديدة للاستيلاء على ديارهم وأموالهم، بل يقبلون ذلك بتسليم كلي "لأحكام الله ومشيئته". وكثير من محمدييهم يغتبطون بدعوة الخلافة المصرية التي تطمح إلى جعل السوريين من أتباع سيادتها لأنهم يرون في تحقيق الأغراض السياسية المصرية الخفية "تعزيزاً" للمحمدية. وكثيراً منهم يرحبون بالدعاوة العربية الوهابية الرامية إلى إلحاقهم بسيادتها ويرون فيها "إعادة مجد العرب وإصلاح الإسلام". (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، الصفحات 63-66)
ويشدّد سعادة على ضرورة مراقبة التدريس الديني من قبل الإدارة القومية:
”إنّ مراقبة التدريس الديني يجب أن تكون من قبل الإدارة القومية المجرّدة عن التحمس والهوس الدينيين التي يجب أن يكون غرضها منع حصول التحمس الديني بواسطة التعليم، لأن حصوله يضر بالقومية الصحيحة ويباعد بين أبناء الوطن الواحد، ويجعل تشبث كل فريق منهم بوجهة نظر دينه في مسائل الاجتماع والحياة المدنية من عوامل التفرقة القومية، كما كانت الحال حتى اليوم، ويكفي الأمة ما لاقته وتلاقيه من هذه الشرور.
إنّ جوهر الاعتقادات الدينية وهي المختصة بالإيمان بالله والخلود والحشر هو شيء لا تعقّد فيه ولا يمكن أن يحصل فيه غلط، ولكن المسائل الدنيوية التي يتناولها التعليم الديني ويجمدها تجميداً تاماً هي المسائل الخطرة التأويل. وتأويلها يجب أن يكون تحت مراقبة إدارة الدولة التي يجب أن يكون من صلاحيتها ومسؤولياتها إيجاد وسائل التقدم الفكري في القضايا الإنسانية، وضمانة تساوي الحقوق المدنية، وإزالة تناقض الاعتقادات الاجتماعية في الأمة الواحدة، أي العمل بالمبدأ السادس الأساسي والمبادىء الأول والثاني والثالث الإصلاحية من مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي." (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 150)
يفسّر سعادة التفكك الاجتماعي والتفسخ الروحي في سورية كنتيجة لفقدان السيادة القومية يضاف إليها اختلاف المذاهب
"تعاقبت على سورية قرون من الخضوع للسيادات الأجنبية المتوالية عليها فأفقدتها كل معنى من معاني القومية والسيادة القومية. وساعد اختلاف المذاهب الذي منيت به على إفقادها كل سبب من أسباب الوحدة الاجتماعية والسياسية وكل طموح إلى القوة السياسية التي يجدر بها الحصول عليها. وكان من نتائج تعاقب عصور الخضوع وحلول التصادم الاجتماعي الداخلي، المسبَّب عن تزاحم الجماعات الدينية، محل التعاون الاجتماعي الذي هو الطريقة الأساسية لحفظ حياة المجتمع وشخصيته وتأهيله للتقدم في مراقي العمران والتمدن، أن الأجيال السورية أخذت تتوارث أمرا واقعا وحالا راهنة فتحسبهما حادثين طبيعيين لا مفر منهما وتجتهد في توفيق حاجاتها لهما، فرأت الطبقات العليا ان تبحث عما يرضي المسيطر الأجنبي فتفعله، بائعة مصالح الطبقات العاملة، وسلمت الطبقات الدنيا أمرها للقدر. " (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 124)
وتزداد حالة الأمة سوءا مع البعثات الأجنبية والثقافة الاستعمارية:
"لما آذنت السلطنة العثمانية بالتفكك اتجهت أنظار الدول الكبرى إلى سورية وابتدأت تنشىء معها غلاقات ثقافية؛ فكانت البعثات الدينية والعلمية وكان هم هذه البعثات بذر بذور نفوذ الدول التي تنتمي إليها فتزاحمت تزاحما شديدا وكانت كل واحدة منها تعلم السوريين عظمة أمتها وتاريخها وجغرافيتها فتحببها إليهم وترهبهم بعظمتها. (سعادة، الأعمال الكاملة الجزء الثاني 1935-1937، 2001)ص125
أخرجت الثقافة الاستعمارية في سورية طبقة مثقفة خالية من المثال الأعلى القومي، مجرّدة من الثقة بمواهب الأمة السورية الممتازة، معترفة بعدم جدارة السوريين بالتشوق إلى السيادة القومية، مقتنعة بأن الحال الراهنة أمر إلهي أو طبيعي لا مندوحة عنه ولا سبيل إلى تغييره، منتهزة كل فرصة لإقامة الدليل على عدم جدارة الأمة بالنهوض وعدم أهليتها للتطلع إلى الاستقلال.
كل ذلك أسباب عملت على إبقاء السوريين في حال جماعات متفرقة متنابذة تتحرك بدوافع الحاجات الاقتصادية الأولية وتزاحم بعضها بعضا من أجل هذه الحاجات، وعلى استنفاد المواهب السورية العالية وقوى السوريين في أعمال الاقتصاد الفردي أو العائلي، وفي سياسات العائلات والطوائف. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 126)
إن انعدام الوعي القومي يساعد على استغلال الجماعات الدينية من قبل الدول الغربية
"إن تأخر اليقظة القومية في أكثر الشعوب المحمدية، أو التي أغلبيتها محمدية هو الذي يوجد سبيلا لهذا التلاعب بعواطف المؤمنين الدينية وتسخيرها للأغراض الأجنبية. فباسم الدين تقدر الإرادات الأجنبية أن تغرربالجماعات الدينية.
يجب أن نقف في العالم أمة واحدة، لا أخلاطا وتكتلات متنافرة النفسيات. الحواجز الاجتماعية الحقوقية بين طوائف الأمة تعني إبقاء داء الحزبيات الدينية الوبيل. فيجب تحطيم الحواجز المذكورة لجعل الوحدة القومية حقيقة ولإقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يهب الأمة الصحة والقوة". (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 326)
الحزبيات الدينية ولّدت التفسخ الروحي وأعاقت نهوض الأمة والحزبية الدينية لعنة الأمة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 304)
والعداوة هي الهواء الذي تتنشقه الحزبية الدينية، هي الأوكسيجين الذي بدونه تختنق. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 375)
الدولة الدينية لا تشمل إلا المنتمين إليها، المنتمين إلى الجماعة الدينية، فمن خرج عن تلك الجماعة كان موقف الدولة منه موقفا خاصا غير شامل، أي أنها تخرج عن دائرة حقوقها من كان خارجا عن الجماعة المنتمية إليها الجماعة الدينية.
كل مجتمع أوجبت الدولة الدينية فقدانه حرية العمل والسيادة والاتجاه الصحيح القائم بالإرادة الذاتية ابتدأ يبحث عن حل لمشاكله. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 139)
إن أسباب قيام الدولة اللبنانية هي أسباب الحزبية الدينية الداخلية وارادة الأجنبية الاستعمارية التي عملت على استغلال مشاكل الحزبية الدينية لإيجاد حالة سياسية سيئة في البلاد السورية تسهل مهمتها الاستعمارية. الحزبيات الدينية هي مشكلة اجتماعية-سياسية في البلاد السورية كلها، لا في لبنان فقط. (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 275)
إنّ حملتنا على الحزبيـة الدينيـة من كل دين ومذهب ليست حملة على الدين نفسه ولا على شيء من الاعتقادات الدينية البحتة التي يجب أن يكون لكل فرد من أفراد الأمة السورية الحق في الذهاب فيها أي مذهب شاء، بل هي حملة لتعزيز الدين وتنزيهه عن الأمور الاجتماعية ــــ السياسية التي يجب أن تبقى خاضعة لمبدأ التطور حسب مقتضيات حاجة الأمة وما يقول به الفكر القومي الرامي إلى خير الأمة بأسرها، أي إلى خير كل فرد وكل عائلة في الأمة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 8-9)
يجري استغلال الدين لخدمة الطبقة المسيطرة في المجتمع ومن قبل الدول الاستعمارية المتحكّمة بهذه الطبقة.
"بينما كانت الـخطط الأجنبية توضع لسلخ أجزاء من سورية عن جسم الأرض السورية الأم، ولاستعمار سورية واستعبادها، كانت تثار في سورية قضايا الأكثرية والأقليـة الدينيتيـن، وكـان السيـاسيـون الوطنيـون يظهرون مهارتهم الفائقة في استغلال النعرات الدينية لـمآربهم الـخصوصية، ولتوطيد نفوذهم، وكانت الأطماع الأجنبية الاستعمارية سريعة الإدراك للحالة النفسية السورية وسريعة العمل للانتفاع منها فغذّت فكرة الدولة الدينية في أوساط الشعب
بالأحقـاد الدينيـة والاقتتـال على الـجنـة السمـاويـة، واجهنـا مشـاكـل حيـاتنـا القومية.
ما دمنا نقتتل على السماء فلن نربح الأرض! (سعادة ، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 339-341)
قلنا إننا لم نستغرب اهتمام الأوساط الإكليريكية بتأليف هذه الأحزاب من جديد تحت برامج تخفي غير ما تعلن، لأن الإكليريكية في كل مكان وفي كل زمان كانت تستخدم الجماعات بتأثيرات دينية لتنفيذ مآربها الخفية ولضرب خصومها حين تدعو الحاجة. (سعادة ، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 332)
ويعرض سعادة عمل الإذاعات الأجنبية في سورية والعالم العربي. ويقول: "إنّ ألمانية وبريطانية تستعملان سلاحاً واحداً في العالم العربي هو سلاح التحريض الديني الإسلامي. ونظراً لفقد الثقافة الاجتماعية ــــ الاقتصادية ــــ الروحية ظل التأثير الأقوى في حياة شعوب العالم العربي للاصطلاح الديني والعادات الناشئة عنه. فالنظرة إلى الحياة والعالم، في هذه الشعوب، هي نظرة مكوّنة من عوامل التقاليد الدينية فلا يمكن تغييرها إلا في سياق تطوّر طويل مستمر. ولذلك كان كل اتصال لهذه الشعوب بمجرى الشؤون السياسية والحربية في العالم غير ممكن إلا عن طريق إيقاظ اهتمام هذه الجماعات بإيقاظ نعراتها الدينية.
فأخذت فرنسة، قبل سقوطها، تذيع أنها ستحمي الشعوب العربية اللسان والإسلامية الدين من وثنية «النازيين» ومن القوات الألمانية ــــ الإيطالية، وأخذت بريطانية تذيع أنها ستحارب في سبيل حرية الأمم الضعيفة، وخصوصاً أمم العالم العربي. وأعلن موسوليني أنه يريد أن يحمي الإسلام. ووجهت الإذاعة الألمانية جهودها لإثارة النعرة الدينية الإسلامية ضد التسلط الإنكليزي الفرنسي في أقطار العالم الإسلامي. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، صفحة 218)
وقد استخدمت ألمانية في حرب الإذاعة ضد أعدائها عدداً غير يسير من المشتغلين بشؤون العالم العربي السياسية على أساس الدين، أمثال شكيب أرسلان، وأيدت حركات مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وشجعت التحريض الديني الإسلامي في كل مكان، ليس لأنها تهتم لنصرة هذا الدين أو لتقدير خاص له، بل لتستخدم الهياج الديني الإسلامي ضد عدوتها بريطانية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 4، 2001، الصفحات 219-220)
فلقد كان من الظواهر الهامّة في مؤتمر مصر الهتاف لجلالة الملك فاروق بخليفة الإسلام في الحفلة الافتتاحية وما تلا ذلك من الإذاعة والمظاهرات التأييدية للملك الصالح والخطب والمقالات والنشرات الرامية إلى إثارة النعرة الدينية وجعل النظرة الدينية - السياسية تسيطر على المؤتمر. وقد اجتهد أصحاب الدعوة في إكساب المؤتمر المصري صفة دينية عامة فوجهوا الدعوة إلى مسلمي رومية وأفريقية وآسية، لأن القصد من إثارة مسألة الخلافة، حسب وجهة النظر البريطانية، هو أن تصبح الخلافة قوة سياسية يمكن أن تؤثر على مجرى الأحوال الإنترناسيونية فتصبح مصر اليوم البريطانية في العالم الإسلامي ما كانته تركية قبل الحرب. (سعادة ، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 349)
إنّ استغلال الإسلام المحمدي والمحمديين لأغراض نفعية ولسياسات إنترناسيونية ليس بالشيء الجديد.
إنّ تأخـر اليقظـة القوميـة في أكثر الشعـوب المحمدية، أو التي أغلبيتها محمدية هو الذي يـوجد سبيلاً لهذا التلاعب بعواطف المؤمنين الدينيـة وتسخيرهـا للأغراض الأجنبية. فباسم الدين تقدر الإرادات الأجنبية أن تغرِّر بالجماعات الدينية التي لـمّا يشملها الوعي القومي وتستغل تعصبها الديني الأعمى لأغراضها.
وتـأخر اليقظـة القوميـة في بعض الشعوب المسيحية، أو التي أغلبيتها مسيحية يوجد السبيل عينه للتلاعب بعواطف المؤمنين الدينية وتسخيرها للأغراض الأجنبية. والدول الأجنبية الطامعة في سورية ما زالت تثير المحمديين على المسيحيين ثم تتقدم إلى هؤلاء بالحماية فيقبلونها والعاقبة السيئة كانت دائماً على الملّتين. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 1-2)
كل سياسي أجنبي له مأرب استعماري في بعض أقطار العالم العربي، يجعل الاهتمام بأمر الإسلام مطية إلى مأربه. وفي برليـن تختم كل إذاعة باللغة العربية بالهتـاف الله ينصر الإسـلام والـمأجورون للدعاوة الألـمانية مكلّفون بخدع الـمحمديين الذين لا يزالون بعيدين عن الإدراك القومي الـمنفصل عن العقائد الدينية بالقول لهم إنّ النظام الـجديد الذي يقول به الـمحور الألـماني - الإيطالي ليس شيئاً آخر غير العمل بالنصوص الـمحمدية وتعميم الدين الـمحمدي في العالم. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 406)
أنّ المبادى الدينية الوحيدة التي تفيد الأمم في نهضتها القومية هي المبادىء المناقبية. (سعادة ، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 150)
إنّ الإقناع أمر مختص بالـجماعات البشرية الراقية، الـمتمدنة فلا سبيل له في الـجماعات الـمتوحشة. بل إنّ من فطرة هذه الـجماعات وطرق تفكيرها الإكراه والغزو والسبي والسلب. فلما عرضت عليها دعوة أرقى من مستوى تفكيرها أرادت مقاومتها بالقوة والوحشية فاضطرت الرسالة لـمقاومة القوة بالقوة والوحشية بالوحشية. ولكن الرسالة نفسها لم تكن رسالة وحشية بل رسالة ارتقاء وتثقيف.
إنّ الإصلاح القومي أنقذ الأمـم الـمسيحية الـمذهب من العداوات والأحقاد الدينية. والإصلاح القومي، الذي جاءت به الرسالة القومية الاجتماعية إلى سورية، وسائر الأقطار العربية، هو الذي يتكفَّل بإنقاذ الأمة السورية، وأمـم العالم العربي الـمحمدية طراً، من دعاوات الـحقد والتعصب الـمذهبي، التي ينشرها الـمفتون برأيهم الـجاهل، فتحلّ سكينة الـمحبة والإخاء القومي محل فتن التعصبات الدينية العمياء الذميمة، ولا تبقي لهذه الفتن محلاً ولا سبيلاً. (سعادة ، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 528-531)
دعوة سعادة في القومية الاجتماعية هي إلى "نبـذ الـحزبيـات الدينيـة والتآويل الطائفية البغيضة، تلك الـحزبيات والتآويل التي أوّلت الدين تأويلاً فاسداً وقالت غير ما قال الله.
لقد قالت الـمسيحية بالتآخي ومحبة حتى الـمبغضين وبرفع الفوارق والـحزبيات الدينية، وقالت الـمحمدية بـمثل ذلك، وأهل الـحكمة الـموحدون مذهبهم الإخاء والـمحبة.
أيها السوريون،
ليس من سـوري إلا وهو مسلم لرب العالـمين. فاتقوا الله واتركوا تآويل الـحزبيات الدينية العمياء. فقد جمعنا الإسلام: منا من أسلم لله بالإنـجيل، ومنا من أسلم لله بالقرآن، ومنا من أسلم لله بالـحكمة.
قد جمعنا الإسلام وأيّد كوننا أمة واحدة فليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقّنا ووطننا غير اليهود؛ فلنكن أمة واحدة في قضيتنا الواحدة ونظامنا الواحد." (سعادة ، الأعمال الكاملة 7، 2001، الصفحات 367-368)
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة الجزء الثالث 1938-1939. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة الجزء الثاني 1935-1937. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة المجلد الثامن 1948-1949. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة المجلد الخامس 1941-1942. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة المجلد الرابع 1940-1941. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة المجلد السابع 1944-1947. بيروت: مؤسسة سعاد للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة المجلد السادس 1942-1943. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.
أنطون سعادة. (2001). الأعمال الكاملة-الجزء الأول 1921-1934. بيروت: مؤسسة سعادة للثقافة.