هذه رسالة ملفتة للنظر ومثيرة للتفكير من ناحيتين: الأسلوب والمضمون.
الأسلوب: سعاده يكتب رداً على رسالة تلقاها من رفيق جديد في الولايات المتحدة الأميركية، يبدأ حياته الحزبية بسلسلة انتقادات تطال نشاطات الحزب ومقالات جريدة "الزوبعة". هذا الرفيق يريد منذ البداية أن "يرفع الكلفة" مع الزعيم، فيخاطبه بكلمة "الأخ". فكيف يتعامل سعاده مع هذا الأمر؟
إننا نلمس نوعاً من السخرية غير الجارحة في عبارات مثل: "أيها الرفيق الكريم المحترم"، "أيها الرفيق العزيز والأب المحترم"... إلخ. وتبلغ السخرية التربوية ذروتها بالعبارات التالية: "... وأجزت لأخيك هذا أن ينصحك"، "أنا كأخ يحبك"، "سواء أردت أن يكون كلامك لزعيمك أو لأخيك".
المضون: الرفيق الجديد، الذي لا خبرة له في العمل الحزبي، يتدخل في مسألة انتقال الزعيم من بلد إلى آخر. كما يوجه انتقادات بالجملة تطال مخاطبة الزعيم، طبيعة الاجتماعات الحزبية، سلسلة "جنون الخلود"، كتابات سعاده، مسألة الانسحاب والطرد من الحزب.
رسالة سعاده تجمع الأهداف التالية: إظهار أخطاء الرفيق الجديد، وتوضيح بعض النقاط، وعملية التثقيف الدؤوبة التي تميّز تعاطي سعاده مع الرفقاء. وفي كل الأحوال، هناك مبدئيات لا مجال للمساومة عليها. ويلاحظ القارئ قبيل ختام الرسالة أن سعاده يكتب وكأنه يشعر بأن الرفيق الأب ميخائيل ذبيه ليس جاداً في عضويته الحزبية.
أيها الرفيق العزيز والأب الـمحترم،
تسلمت كتابك الـمؤرخ في 29 سبتمبر/أيلول الـماضي الـمرسل إليّ بالبريد الـجوي، وسررت كثيراً بانضمامك إلى صفوف العامليـن في حركتنا لقضيتنا الـمقدسة. وقد ارتـحت إلى رغبتك في التحدث إليّ في مسائل متعددة تتعلق بسير الـحركة ومستقبلها. وكنت أود أن أجيب على جميع النقاط الواردة في كتابك بإسهاب، ولكن ضرورة الظروف الـحاضرة توجب الاختصار، وحضرتك قادر على استخراج الإسهاب من الإيجاز.
قد استحسنتَ، أيها الرفيق الكريـم الـمحترم، أن تخاطبني بـمودة الإخاء وليس في ذلك إساءة. أما الأسباب التي قدّمتها لتفضيلك نعت الأخوة على لقب الزعامة فقد تكون غير موفق في اعتمادها، لأنّ "الأخوة" في عرفنا، نحن السورييـن، هي مناداة اجتماعية عامة لا ترمز إلى شيء خاص ولا إلى فكرة معيّنة، واضحة. واستعمالها بكثرة في جميع الـحالات والـمواقف جعلها مبتذلة. ومع ذلك فأنا لا أكرهها، وأحبها عندما تكون صادرة عن مودة حقيقية. وكما أنّ في الأخوّة معانٍ غير موجودة في الزعامة والرفقة، كذلك في الزعامة والرفقة معانٍ غير موجودة في الأخوّة. وأحب أن تتنبه إلى أن الـمعاني الروحية العظيمة الـموجودة في زعامتنا ورفقتنا لا يقوم مقامها شيء في عهدنا الـجديد.
لم أستغرب أنّ حالة الاجتماعات لم تعجبك، فأنت تريد بحث الـمسائل السياسية، والاجتماعات العمومية غير مخصصة لهذه الـمسائل. والإدارة عندكم رأت أن تكون الاجتماعات تعليمية في العقيدة ومزاياها وفي الـخطوط الأساسية الواردة في خطب الزعيم وتصريحاته، باعتبار أنّ خطب الزعيم ليست مجرّد خطب منها قديـم ومنها جديد. والتوافق الفكري والوحدة الروحية في الـحزب لا يقومان بدون الاطلاع في هذه وفهمها ضمن قواعد الـحركة، وليس بالتأويلات الـخصوصية الناقصة. وقد تعلم أنّ انتقال الزعيم من بلاد إلى بلاد، لا يبتّ فيه في اجتماع عمومي في مديرية من مديريات الـحزب العديدة بناءً على الأسباب التي يبديها بعض الرفقاء والتي قد تكون جوهرية في ذاتها، بل لاعتبارات تقرر في مكتب الزعيم ويحسن أن لا تكون مشاعاً على ألسنة الرفقاء. وكم كان أفضل لو أنك أعلنت للمنفّذ العام الأميـن فخري معلوف عزمك على ذكر مسألة إمكان انتقال الزعيم إلى أميركانية في رسالتك إليّ فلا يبعد أن يكون أشار عليك بعدم إبداء هذا الأمر حرصاً على سلامة العمل والـمعلومات.
تنتقل، أيها الرفيق العزيز والأب الـمحترم، في كتابك، من الـمعلومات إلى "بحث" أمور تتعلق بـموقف "الزوبعة" وسياستها في هذا الوقت. وقد ظهر لي من عرضك أنك غير مطّلع على السوابق والأسباب، وأنك متسرع في الاقتناع والـحكم في هذه الـمسائل. والـحقيقة أنه لا يـمكن حمل مثل هذه الأقوال: "فلماذا التناول من الشخصيات أحياء وأمواتاً. ولم تلقّب الزوبعة كل غير قومي (وقد يكون الـمعنى كل غير منضم إلى الـحزب) بالـخائن. ألا يجوز لزيد ما يجوز لعمرو، إلخ." على غير هذا الـمحمل. فهل أنت على يقيـن أنّ هنالك "تناولاً من الشخصيات" وأنّ الزوبعة "تلقّب كل غير قومي بالـخائن؟" فإذا كنت موقناً فلا أتردد في القول لك إنّ يقينك غير مبني على أسباب كافية واطلاع وافٍ وروية في الأمر.
وأود كثيراً أن تعير اهتماماً كلياً إلى أنّ هنالك مسائل وقضايا لا يـمكن حصر النظر فيها في دائرة "العداوة" للحزب أو عدم العداوة، كمسألة طلب وصاية وحماية وما شاكل. وإذا كان الرفيق جبران مسوح حمل على إذاعة صاحب "السمير" في هذا العدد حملة قوية دفعه إليها قوة عقيدته وشدة غيرته فهو قد أظهر موقفاً يقفه اليوم مئات وألوف ليس من الـحكمة الاستخفاف بشعورهم وأفكارهم. وجبران قد استعمل الـحق الذي تدافع عنه بقولك إنه "يجوز لزيد ما يجوز لعمرو". وهذا يعني أنك لست مجرّداً من حق إبداء رأيك في موقف جبران على صفحات "الزوبعة" أو غيرها. ولكن إذا خطر لك أن تفعل ذلك وأجزت لأخيك هذا أن ينصحك، فنصيحتي أن لا تتخذ حادث فوز هارون وأسبابه مستنداً، فلا وجه للقياس بين تهمة وجود كمية من الدم الزنـجي في أحد من الناس وقضية طلب الـحماية لأمة تريد الاستقلال وتبرهن بنهضتها القومية الاجتماعية على أهليتها له.
وماذا أقول في قولك: "ماذا أفادنا الطعن بالقروي حتى وبشعره أيضاً. ألم يبعد عنا القروي ومريدين، وماذا أفادنا الطعن بفلان وبفلان وفلان؟ إلخ." إنك تـحلّ الوهم محل الـحقيقة والـحقيقة محل الوهم. فهذا الكلام كان الأصوب أن يوجه إلى القروي وأبي ماضي وفلان وفلان. فهم الذين قابلوا الـحلم بالـجهل، والرصانة بالتهجم، والتودد بالصلف، والصداقة بالعداوة، وكل واحد منهم حدث وكتب وخطب داساً وطاعناً قبل أن يخطّ أحد من القومييـن سطراً واحداً يـمسّ شعور أي منهم. وأما قولك "لو كان كل ما نشر في الزوبعة مدعوماً بالبرهان السديد"، فقول يحتاج إلى تـحقيق في صدد الأمور التي عرضت لها، مع اعتبار أنه يجوز أن يكون لبعض الكتبة حجج أقوى من حجج البعض الآخر في النقاش.
ثق، أيها الرفيق العزيز، أنه لم يكن شيء أشد ألـماً للزعيم من اضطرار "الزوبعة" واضطراره شخصياً، أحياناً، للدخول في مسائل كان يجب أن نكون في غنى عن الدخول فيها. وليس شيء أحب إلى قلبي من سلوك طريق التفاهم، التي يدل تاريخ حزبنا على أنها القاعدة الأساسية التي اتخذتها وسألت رفقائي اتخاذها. ولكن موقفنا كان موقف الـمضطر لا الـمختار. ولا يستطيع رشيد الـخوري ولا إيليا أبي ماضي، مثلاً، إنكار ما بذلت من الـمسعى، لتقريبهما من روح الـحركة، ومن الصبر على غمزاتهما وإساءاتهما، إلى أن خرجا إلى اتخاذ موقف العداوة الصريحة والـمجاهرة بالـمقاومة.
عملاً بهذه القاعدة - قاعدة التفاهم - أطلب منك، يا رفيقي العزيز، أن تتروى في انتقاداتك، وأن تتوخى التفاهم لا الاقتناع بالاستنتاجات الـخصوصية والوصول إلى بناء أحكام سريعة عليها. وقبل أن نطلب التفاهم مع الذين خارج الـحركة، يجب أن نتفاهم وأن يكون تفاهمنا تاماً داخل الـحركة. ولذلك أحب أن أراك تستعمل الصبر والروية والـحزم تـجاه ما تـراه وتسمعه في داخل الـحركة، كما في خارجها، وأن تتخذ، قبل كل شيء، قاعـدة أنّ الرأي رأي لا حكم. وطريقة إبداء الرأي هي غير طريقة لفظ الـحكم.
كل رأي وكل اقتراح مدعوم بتحليل ودراسة يوصلان إلى نتيجة أخيرة يُقبل بكل سرور ضمن شروط الرأي والاقتراح وينظر فيه ويُعطى حكمه. أما إذا كنت تظن كل شيء في الـحزب مخالف لنظريات عملت بها أمراً غير جائز أو غير صالح، فإذا سلّمت به لك أنا كأخ يحبك فيصعب كثيراً تصور أنّ الـمنظمة القومية الاجتماعية تقبله، وأنّ مجموع القومييـن يقرّه. أعود فأكرر وصيتي أن تتروى وأن لا تـجزع لـحالة قد تنتهي على غير ما تتصور وبطرق غير التي تخطط، إذا وقف الـمجموع القومي الـموقف اللازم. وأقول "قد" لكي لا تكون توكيداتي شديدة الوقع عليك.
لا أرى شيئاً في ما أبديته في كتابك يستوجب الـمحاكمة أو الطرد حتى ولا التأنيب. وأحب أن تعلم، يا رفيقي، أنني لا أتساهل البتّة في أمر أي قومي كان ووجوب مـمارسته حقوقه، وأنه ليس هيناً عندي وعند النظام القومي الذي يربطنا في الـحق والواجب ظلم أحد أو خسارة رفيق مخلص، غيور، مفيد. فلا يطرد أحد من الـحزب بخفة أو لغير أسباب موجبة. مهما كان وضيعاً أو رفيعاً، ولا يشهّر أحد، لا ضرر من ترك أمره مستوراً. وكما أنه لا خفة عندنا في النظر في الأفراد الـمرتبطيـن بنظامنا وعقيدتنا، كذلك نود أن لا نرى خفة في تقدير الأفراد لرابطتهم في الـمنظمة. لم أجدك فعلت حسناً في إثارة مسألة "انسحاب" أو "طرد" فهذه أمور يجب أن لا تكون سهلة وطفيفة وهيّنة بهذا الـمقدار. ولا يجوز التسرع في الـحكم على ما ظهر من طرد وغيره بدون معرفة الأسباب وبدون إقرار أنّ أصحاب الـمسؤوليات لهم تقدير في الأمور غير تقدير الـخاليـن من الـمسؤولية.
إذا قُدِّر والتقينا فلست أشك في أنك ستغيّر كثيراً من مواقفك واعتباراتك بما يـمكن أن أشرحه لك. وإذا قُدِّر غير ذلك فأشير عليك في هذه الظروف أن تقترب من الـمنفّذ العام الأمين معلوف وتباحثه في ما يخطر لك، بروح التفاهم والغيرة على النظام. والتفاهم يقتضي وجود الاستعداد لتغيير الرأي الذي يظهر عدم صوابه أو ضعفه أو عدم ملاءمته للغاية الصريحة والقاعدة الـمقررة بناءً على الإرادة العامة ضمن النظام، ولا يكن عندك شك في أنّ صدري مفتوح لكل ما تـحب أن تبثّنيه، سواء أردت أن يكون كلامك لزعيمك أو لأخيك.
أتـمنى أن يصل كتابي هذا إليك وأنت معافى وبخير وصفاء. زوجتي تشترك معي في قبول اهتمامك الـجميل وفي إهدائك السلام الـجزيل. ولتحيى سورية.
"الأعمال الكاملة - الجزء العاشر". صفحات: 369 - 372
هذه رسالة بديعة الأسلوب وغنية المضمون، تستحق أن تُدرّس في صفوف الأدب كنموذج يجمع عناصر قد تبدو متضاربة مثل المودة والسخرية والنقد والتشجيع والتقريع والتثقيف... في آن معاً. إنها تقدّم لنا جوانب من شخصية الأب ميخائيل المنتمي حديثاً للحزب السوري القومي الاجتماعي، ومن خلالها نكتشف طول أناة سعاده وصبره في التعامل مع أبناء شعبنا السوري في الوطن والمهجر.
تخيّلت بعدما أعدت قراءة الرسالة للمرة الرابعة أن سعاده جالس إلى طاولته، يجيب على تساؤلات وملاحظات العضو الجديد الأب ميخائيل وقد ارتسمت على محياه أطياف بسمة حزينة. هل يُعقل أن رفيقاً انتمى إلى الحزب قبل أسابيع قليلة يباشر "نشاطه الحزبي" بشكوك وانتقادات تطال الهيكلية الحزبية برمتها... ابتداء من الزعيم؟
سعاده الرازح تحت مهمات تحتاج إلى العشرات من المساعدين، سعاده العامل بعرق جبينه لصيانة كرامة منصب الزعامة، سعاده المُشرف على "الزوبعة" والكاتب الرئيسي فيها، سعاده المُجبر على التعامل مع أبناء عصر الانحطاط في أميركا اللاتينية... سعاده هذا تأتيه رسالة من رفيق جديد في الحزب لم يجد أمراً مفيداً يتناوله سوى توزيع الانتقادات في كل الاتجاهات. لقد كان باستطاعة الزعيم تجاهل الرسالة أو الرد باختصار شديد، لكنه فضّل تلقين الرفيق ميخائيل درساً لا يُنسى في آداب المخاطبة الحزبية.
عندما قارنتُ بين رسالة سعاده هذه ورسائل أخرى وجهها إلى رفقاء ومسؤولين في ظروف مشابهة، لاحظت على الفور أنه كان يكتب بهدوء تام. إنه الهدوء الذي يخفي عاصفة مزلزلة تعتمل في نفس سعاده، هدوء يؤكد السيطرة الشاملة على مجريات الكلام. وكأنه كان يدرك سلفاً أن هذا الرفيق يعاني من إشكالات فكرية وإدارية، وأنه لا مجال للتغيير معه. لذلك أراد سعاده أن ينقل إليه، ومنه إلى الآخرين، الآداب القومية الاجتماعية في التخاطب والإدارة والفكر، من دون أن يعلق آمالاً كبيرة عليه!
سبق لسعاده أن واجه حوادث مماثلة، وصلت إلينا تفاصيلها في مرويات الرعيل الأول (جورج عبد المسيح وجبران جريج وعبدالله قبرصي...). الرفيق نسيب حمدان التابع لمديرية بيت مري طرح تساؤلات حول مصير الاشتراكات الحزبية، وعندما وصل الخبر إلى الزعيم دعا إلى اجتماع عاجل لمناقشة الموضوع، وقد كان الحزب آنذاك (سنة 1935) في مرحلته السرية. وينقل قبرصي عن سعاده قوله في ذلك الاجتماع: "كيف يتعاقد العضو مع زعيم الحزب على تحقيق قضية قد تقتضيه عطاء دمه، ثم يسأل عن الخمسة قروش أو عشرة قروش؟ أين الثقة بالقيادة في تحمل مسؤولية نهضة الأمة إذا كانت هذه الثقة تبدأ بالشك؟" ("عبدالله قبرصي يتذكر ـ الجزء الأول"، صفحة 76).
وكأن التاريخ يعيد نفسه مع الرفيق الأب ذبيه، وإن بطريقة أخرى!
هنالك ملامح ساخرة في طريقة تكرار سعاده لأسماء المخاطبة: "أيها الرفيق الكريم المحترم"، " أيها الرفيق العزيز والأب المحترم"... فإذا كان الرفيق ميخائيل يتحفظ على المناداة بكلمة "الزعيم" في رسالته، فإن الزعيم "يبالغ" في كلمات المخاطبة للرفيق ميخائيل. بل نراه يكثف عناصر السخرية الهادفة بالعبارات التالية: "... وأجزت لأخيك هذا أن ينصحك"، "أنا كأخ يحبك"، "سواء أردت أن يكون كلامك لزعيمك أو لأخيك"!
ويتدرج سعاده في رده على رسالة الرفيق ميخائيل بين السخرية الناعمة من جهة، وبين تبيان مغالطاته من جهة ثانية، وبين إعادته إلى حجمه الطبيعي من جهة ثالثة، وبين تلقينه الدروس كما يراها الزعيم من جهة رابعة. وفي نهاية المطاف يدلي سعاده بالقول الفصل على "قاعـدة أنّ الرأي رأي لا حكم. وطريقة إبداء الرأي هي غير طريقة لفظ الـحكم". ولا نستطيع الجزم ما إذا كان الرفيق ميخائيل قد استوعب أو انتبه إلى الفارق الكبير بين "إبداء الرأي" و"لفظ الحكم"!
من الطبيعي أن سعاده يريد إيصال رسالة محددة إلى الرفيق الأب ميخائيل، وهي "قاعدة التفاهم". ذلك أن الرأي، على أهميته، يبقر رأياً طالما أنه لم يخضع للحوار بروح التفاهم والغيرة على النظام: "والتفاهم يقتضي وجود الاستعداد لتغيير الرأي الذي يظهر عدم صوابه أو ضعفه أو عدم ملاءمته للغاية الصريحة والقاعدة الـمقررة بناءً على الإرادة العامة ضمن النظام".
لندن 8 آب 2022
بداية أشكر الأمين أحمد على اختياره لهذا النص التثقيفي المهم جداً. وقد لفتني في هذه الرسالة أربعة أمور:
1- أسلوب المعلم: من خلال قراءتي للرسالة شعرت "بالمعلم أنطون سعاده". وهنا أختلف بالرأي مع الأمين أحمد أصفهاني حين يذكر"إننا نلمس نوعاً من السخرية غير الجارحة" في جمل الزعيم، مثل "أيها الرفيق الكريم المحترم" و"أيها الرفيق العزيز والأب المحترم" و"...وأجزت لأخيك هذا أن ينصحك" رداً على كلام الرفيق ذبية، حين خاطبه برفع الكلفة بكلمة "الأخ". أرى هنا الزعيم يعطيناً درساً في طريقة التواصل والإحترام في التعامل بين الرفقاء وفي مخاطبة الزعيم، وذلك بأسلوب محبب دون أن يخدش شعور الرفيق. يعلمنا كيف نرد على من يتعمد مخاطبتنا بأسلوب قد يتضمن السخرية أو رفع الكلفة. لم يكتف الزعيم بلفت نظر الرفيق لأصول التعامل بل أتبعها بالشرح عن معنى الرفقة والزعامة التي توجب إستعمالها. وهذا ما أكده الأمين أحمد عندما ذكر "عملية الثقيف الدؤوبة التي تميز تعاطي سعاده مع الرفقاء".
2- تشديد الزعيم على اهمية "الوحدة الروحية". تعريفه للرفقة على أنها "رابطة روحية عظيمة". ويتحدث عن " الـمعاني الروحية العظيمة الـموجودة في زعامتنا ورفقتنا التي لا يقوم مقامها شيء في عهدنا الـجديد". ويضيف عن "التوافق الفكري والوحدة الروحية " في الحزب. في وقتنا الحاضرلا نختلف نحن القوميون على التوافق الفكري، فهو يجمعنا، أما ما نفتقده فهو الوحدة الروحية. فضرب الوحدة الروحية عند القوميين هو ما فتت حزبنا .
3- ينبهنا من التسرع في الاقتناع والـحكم في الـمسائل. يقول "لذلك أحب أن أراك تستعمل الصبر والروية والـحزم تـجاه ما تـراه وتسمعه في داخل الـحركة، كما في خارجها، وأن تتخذ، قبل كل شيء، قاعـدة أنّ الرأي رأي لا حكم. وطريقة إبداء الرأي هي غير طريقة لفظ الـحكم". علينا أن "لا نحكم على الأمور إذا لم يكن لدينا إلمام تام بها ومطلعين على السوابق والأسباب". يضيف "إن يقينك غير مبني على أسباب كافية وإطلاع وافٍ وروية في الأمر". ثم يفسر لنا قواعد " التفاهم "، فالتفاهم "يقتضي وجود الإستعداد لتغيير الرأي الذي يظهر عدم ملاءمته للغاية الصريحة والقاعدة المقررة بناءً على الإرادة العامة ضمن النظام.
4- ينبهنا أيضاً من"التأويلات الخصوصية الناقصة" التي لا يقوم عليها التوافق الفكري والوحدة الروحية. في وضعنا الراهن، أصبح عدد كبيرمن الرفقاء يلجؤن للتأويلات الناقصة وينتقدون كل عمل بناءً على خصوصيتهم التي يعتبرها الزعيم "ناقصة" فينصبون أنفسهم زعيماً وحكماً، يقيّم أعمال الآخرين، ويعتبرون تقييمهم هو المصيب وعلى الجميع الخضوع له، ثم يبثون أحكامهم على وسائل التواصل الاجتماعي وليس حتى في "اجتماع عمومي في مديرية من مديريات الـحزب" لتصبح "مشاعاً على ألسنة الرفقاء" وغير الرفقاء.