أقامت مؤسسة سعاده للثقافة، وعلى امتداد ثلاثة أيام بين الثاني والرابع من تشرين الثاني عام 2015، معرضاً للآثار الفلسطينية التي استردتها بالتعاون مع جمعية إنماء.
تتعرض سورية الطبيعية لعملية نهب ممنهج لتاريخها وتدمير لذاكرتها الإنسانية. ومن هذا المنطلق، كانت استعادة قطع أثرية فلسطينية خطوة أساسية تدخل في إطار العمل الثقافي المقاوم لـ"مؤسسة سعاده للثقافة".
كان موشي دايان، أحد أبرز مجرمي الحرب في الكيان المغتصب، مولعاً بالتنقيب غير الشرعي عن الآثار وسرقتها والتصرف بها باستهتار كلي ومن دون أي رادع أخلاقي. وقد دفعه ولعه الشديد بالآثار إلى إجبار جنود جيش الاحتلال، وبعض العملاء من البدو العرب ــ تحت إمرته - على البحث عن الآثار كي يضمها إلى «مجموعته الخاصة» متصرفاً بها كما يشاء.
ولم يكتفِ دايان بسرقة الآثار فحسب، بل أهدى عدداً من القطع الأثرية إلى بعض أصدقائه من غلاة الأميركيين الصهاينة ودمغها بكل وقاحةٍ باسمه، متجاهلاً قيمتها التاريخية والعلمية، كما لو أنّها له، وأهداها إلى أصدقائه باعتبارها هدية «شخصية كأنها ملكه»، وباع أخرى لتجار الآثار في خمسينات القرن الماضي.
وبعد مضي أكثر من نصف قرن، عمد أحفاد هؤلاء العتاة، عندما أضحت هذه القطع الأثرية لا تعنيهم إلا بمقدار قيمتها النقدية، إلى بيعها بالمزاد العلني.
تمكنت "مؤسسة سعاده للثقافة"، وبالتعاون مع جمعية "إنماء"، بعد أن تابعتا هذه الآثار لمعرفتهما بقيمتها، من الحصول على هذا الصيد الثمين سنة 2015، وذلك بعد جهود حثيثة إستمرت لمدة سنتين. وتمكنتا في خضم إجراءات معقدة من استرداد هذه المجموعة بشرائها من خلال الفوز بها في مزادين علنيين في أميركا واستقدامها إلى لبنان بالطرق القانونية المطلوبة. وقد اتسمت هذه العملية بالسرية والهدوء والصبر الشديد، إلى أن تكللت بالنجاح. فإحضار آثارٍ بهذه القيمة المعنوية، من دون علم الصهاينة (عبر جمعياتهم ومؤسساتهم المنتشرة بكثرة في أميركا مكان تواجد الآثار)، ليس عملاً سهلاً أبداً، فضلاً عن كلفته المادية والمعنوية العالية. فقيمة هذه الآثار ليست أبداً في كونها خزفيات أو فخاريات تراثية، بل إن قيمتها الأبرز هي في كونها "مستردةً" من عدو محتل، سلوكه الدائم سرقة ومحو آثار الشعب الفلسطيني. فهذه الآثار ترجع "فلسطينية"، فضلاً عن عرضها بشكلٍ دائم للتذكير بمصدرها الحقيقي وأصلها الطبيعي.
تتكون المجموعة من 39 قطعة أثرية وتراثية متنوعة (جرار لنقل الماء والخمر والزيت، أباريق، أوعية كأسية الشكل، أكواب، تماثيل صغيرة، قناديل زيت، كأس مذبح، مطرات) بعضها مصنوع من الخزف والصلصال، بينما صنع بعضها الآخر من البرونز والمعدن (كالخناجر والرماح والسيوف ومقابض الأبواب). يمتد العمر الزمني للمجموعة على آلاف السنين، فهي تعبر عصوراً بأكملها. هناك خزفيات تعود إلى الحقبة البرونزية (بكامل تشكلاتها الأولى، الوسطى والثانية والثالثة؛ أي ما مقياسه 1500-2500 قبل الميلاد)، والحقبة الحديدية (أو عصر الحديد، أي منذ 900-1200 قبل الميلاد أو الثانية 600-900 قبل الميلاد)، وصولاً إلى الحقبة الفارسية في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد. صعوداً حتى الحقبة الإغريقية (الهلينية) ثم الرومانية في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، وأخيراً الحقبة البيزنطية.
وبالتزامن مع ذكرى وعد بلفور، ولكي نقول للمحتلين بكافة أشكالهم وألوانهم بأننا لا ننسى، وبأننا في هذا اليوم بالتحديد نعيد آثارنا المنهوبة، وتبقى ذاكرتنا حيةً وواعية، فهم في النهاية راحلون أما نحن فنبقى... أقامت "مؤسسة سعاده للثقافة" معرضاً لهذه الآثار الفلسطينية المستردة في قاعة اليونيسكو في بيروت على امتداد ثلاثة أيام بين الثاني والرابع من تشرين الثاني عام 2015، وذلك على وقع أغان من التراث الفلسطيني.
قناة الميادين (لبنان) قناة الكوت (الكويت) قناة الجزيرة (قطر)
إفتتح المعرض بكلمة لـ"مؤسسة سعاده للثقافة"، تلتها تحية لفلسطين قدمتها الفنانة السورية فايا يونان، ثم ندوة بعنوان "سرقة وتدمير آثار الهلال الخصيب" أدارها الإعلامي سامي كليب، شارك فيها مجموعة خبراء أكاديميين من كبار الباحثين وعلماء الآثار من كل من العراق وسوريا وفلسطين ولبنان:
الدكتور مزهر الخفاجي: أستاذ التاريخ والحضارة، من العـراق.
الدكتور حمدان طه: وكيل وزارة السياحة والآثار سابقاً، من فلسطين.
الدكتور أحمد ديب: مدير شؤون المتاحف في مديرية الآثار، من سوريا.
الدكتور أسعد سيف: الخبير التراثي ومستشار وزير الثقافة، من لبنـــان.
(يوضع صورة للندوة إذا كانت موجودة لدينا)
وقد كان لخطوة إستعادة القطع الأثرية المنهوبة ضجةٌ كبيرةٌ وصدى إيجابي في الأوساط القومية، خاصة الفلسطينية، إذ يرى فيها القيمون عملية إستعادة لجزء من التاريخ. وحظي المعرض على اهتمام إعلامي مميز على الصعيدين العربي واللبناني.
للمزيد يمكن الإطلاع على معرض الصور على صفحة المؤسسة